"صمتُ الحليم"
مكانَك يا نَفسُ لا تنطِقي *** وإلا فإنّك في مأزِقِ
سكوتُكِ عقلٌ به ناطقٌ *** ونطقُكِ من خُلُقِ الأحمق
وهيا اقرأي حِكمَ السالفين *** وتحبيذَهم عَطَلَ المَنطِق
فكم من عِثارٍ بهذا اللسانِ *** وكم من فضاءٍ به ضيِّق
وإنك نفسٌ فحتى متى *** تذودين عن عالم رَيِّق
نفاقاً إذا ما أردتِ الكلامَ *** وصمتاً اذا شئتِ أن تَصدُقي
فحريةُ الرأيِ مقبولةٌ *** اذا كان صاحبُهُ متقي
صمَتنا وإن كثُرَ الاضطهادُ *** فصُنّا عن الجورِ ما قد بقي
فمن وطنٍ بِيع للسامري *** وآخرَ أُعطيَ للأخرَق
ومن ثروةٍ يَحتسي نفعَها *** مسبِبُ واقعِنا المُملِق
أَخذنا السجيةَ من بحرِنا *** نعافُ اللآلي وصخراً نقي
وكم بينَنا من ذكيِّ الفؤادِ *** يقاومُه الخصمُ إذ يرتقي
وكم بالمَهاجِرِ من مَعشرٍ *** مضَوا يبحثون عن المِرفَق
بلادُهمُ تُطعِمُ الوافدين *** وأخلِق بإكرامِهم أخلِق
أليس العروبةُ أن نَغتدي *** عبيداً لوافدِ ليلٍ شقي
ونَحفَلَ حتى بشوكِ القتادِ *** ونَعمى عن الوردِ والزَّنبق
ونَصبِرَ للمُرِّ صبرَ الكرامِ *** ونحيا بسالِفِنا الشيِّق
أليس العروبةُ أن ندّعي *** ونخطبَ في صولةِ المُفلِق
نكررُ نحن الأباةُ الأباةُ *** ونحن من الذلِّ في مَوثِق
تسيرُ الخنافسُ نحو العُلا *** ونحن على جهلِنا المُطبِق
***
أخي أيها العربيُّ الغيورُ *** دعوتُكَ دعوةَ حرٍّ نَقي
دعوتُك للوطنِ المُستضامِ *** دعوتُك للخطرِ المُحدِق
وقد طال ليلُ الهوانِ المَريرِ *** وفجرُ الكرامةِ لم يَفلِق
أُعيذُك من نَشءِ هذا الزمانِ *** وما فيه من مسلكٍ موبِق
خَلَصْتَ كما التِّبرِ بين الترابِ *** وسِرتَ على نهجِك الأصدَق
وعَيْتَ المشاكلَ وعيَ الحصيفِ *** فجئتَ بحَلِّك كالفيلق
فمِن نَفسِك النهجُ للاتجاهِ *** ومن عزمِك السيرُ في المأزِق
وخلِّ الوعودَ وخلِّ الخِطابَ *** نَطقنا طويلاً ولم نَصدُق
وهيا إلى العملِ المستمرِ *** فإنّ التفاخرَ للأسبَق
سنصمتُ لكن كصمتِ الحليمِ *** يَهيئُ للغضبِ المُطلَق
يثورُ به ثورةً من يجيءُ *** لِصَدِّ براكينِها يُصعق
فنَخرجُ منها عظامَ النفوسِ *** ونظهرُ والمجدُ في المَفرِق
كذلك نحن وأما المقالُ *** فما هو إلا هوى المُخفِق
فيا أيها العربيُّ الغيورُ *** تعالَ لمستقبلٍ مشرقِ
٢٥ يونيو ١٩٥٣
عبدالله بن محمد الطائي (كتبها وهو في
الثلاثين من العمر)- ديوان الفجر الزاحف