الأربعاء، 3 يناير 2024

صمت الحليم - عبدالله الطائي (منقحة)

 


"صمتُ الحليم"

 

 

مكانَك يا نَفسُ لا تنطِقي *** وإلا فإنّك في مأزِقِ

 

سكوتُكِ عقلٌ به ناطقٌ *** ونطقُكِ من خُلُقِ الأحمق 

 

وهيا اقرأي حِكمَ السالفين *** وتحبيذَهم عَطَلَ المَنطِق 

 

فكم من عِثارٍ بهذا اللسانِ *** وكم من فضاءٍ به ضيِّق 

 

وإنك نفسٌ فحتى متى *** تذودين عن عالم رَيِّق 

 

نفاقاً إذا ما أردتِ الكلامَ *** وصمتاً اذا شئتِ أن تَصدُقي 

 

فحريةُ الرأيِ مقبولةٌ *** اذا كان صاحبُهُ متقي 

 

صمَتنا وإن كثُرَ الاضطهادُ *** فصُنّا عن الجورِ ما قد بقي 

 

فمن وطنٍ بِيع للسامري *** وآخرَ أُعطيَ للأخرَق 

 

ومن ثروةٍ يَحتسي نفعَها *** مسبِبُ واقعِنا المُملِق 

 

أَخذنا السجيةَ من بحرِنا *** نعافُ اللآلي وصخراً نقي 

 

وكم بينَنا من ذكيِّ الفؤادِ *** يقاومُه الخصمُ إذ يرتقي 

 

وكم بالمَهاجِرِ من مَعشرٍ *** مضَوا يبحثون عن المِرفَق 

 

بلادُهمُ تُطعِمُ الوافدين *** وأخلِق بإكرامِهم أخلِق 

 

أليس العروبةُ أن نَغتدي *** عبيداً لوافدِ ليلٍ شقي 

 

ونَحفَلَ حتى بشوكِ القتادِ *** ونَعمى عن الوردِ والزَّنبق 

 

ونَصبِرَ للمُرِّ صبرَ الكرامِ *** ونحيا بسالِفِنا الشيِّق 

 

أليس العروبةُ أن ندّعي *** ونخطبَ في صولةِ المُفلِق 

 

نكررُ نحن الأباةُ الأباةُ *** ونحن من الذلِّ في مَوثِق 

 

تسيرُ الخنافسُ نحو العُلا *** ونحن على جهلِنا المُطبِق 

 

*** 

 

أخي أيها العربيُّ الغيورُ *** دعوتُكَ دعوةَ حرٍّ نَقي 

 

دعوتُك للوطنِ المُستضامِ *** دعوتُك للخطرِ المُحدِق 

 

وقد طال ليلُ الهوانِ المَريرِ *** وفجرُ الكرامةِ لم يَفلِق 

 

أُعيذُك من نَشءِ هذا الزمانِ *** وما فيه من مسلكٍ موبِق 

 

خَلَصْتَ كما التِّبرِ بين الترابِ *** وسِرتَ على نهجِك الأصدَق 

 

وعَيْتَ المشاكلَ وعيَ الحصيفِ *** فجئتَ بحَلِّك كالفيلق 

 

فمِن نَفسِك النهجُ للاتجاهِ *** ومن عزمِك السيرُ في المأزِق 

 

وخلِّ الوعودَ وخلِّ الخِطابَ *** نَطقنا طويلاً ولم نَصدُق 

 

وهيا إلى العملِ المستمرِ *** فإنّ التفاخرَ للأسبَق

 

سنصمتُ لكن كصمتِ الحليمِ *** يَهيئُ للغضبِ المُطلَق

 

يثورُ به ثورةً من يجيءُ *** لِصَدِّ براكينِها يُصعق 

 

فنَخرجُ منها عظامَ النفوسِ *** ونظهرُ والمجدُ في المَفرِق 

 

كذلك نحن وأما المقالُ *** فما هو إلا هوى المُخفِق 

 

فيا أيها العربيُّ الغيورُ *** تعالَ لمستقبلٍ مشرقِ

 

٢٥ يونيو ١٩٥٣

 

عبدالله بن محمد الطائي (كتبها وهو في الثلاثين من العمر)- ديوان الفجر الزاحف

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عيد الأضحى 1446

  خطبة عيد الأضحى 1446  (تنبيه: العيد وافق جمعة ففي الخطبة فقرة بهذا) الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله ...