الخميس، 9 يناير 2025

ما بين شعرنا والشعر الغربي

https://www.youtube.com/watch?v=1mRec3VbH3w

هذه إحدى أشهر خمس قصائد إنجليزية.. أصيب والد الشاعر بالسرطان وعمي في آخر حياته وهنا يطالب أباه بالكفاح حتى آخر رمق وأن لا يستسلم ويضرب له الأمثال بمصابرة غيره كالحكماء الذين يموتون وهم يرون أن حكمتهم لم تثمر وبالطيبين وغيرهم. اخترت هذه القصيدة للتعليق، بسبب عاطفتها الإنسانية وقيمتها عند أهلها، ولكنك ترى هزال شعر غير العربية حتى قال خبير اللغات الجاحظ الذي كان يجيد مع اللغة المقدسة اليونانية والفارسية والهندية ولغات أخرى ويكتب بها ويناقش المترجمين. يقول الجاحظ: ليس لغير العرب شعر. ميزان قصيدة ديلن طومس خماسي يسمى ايامبك تفعيلاته (وبلسانهم أقدامه الخمسة هي) دِيدَم ديدم ديدم ديدم دبدم ولكن النغم لا يتحقق لك نطقاً إلا إذا تلاعبت بمخارج الحروف فأكلت بعض الحروف وقصّرت بعضها وأطلت بعضها، فالشعر الغربي كله قائم على هذا النبر وليس على الكم الوزني، تماما كما يفعل المغنون ليخرجوا غير الموزون بألحان تقبلها الأذن فيمططون ويقصرون. وتأمل رهافة الذوق العربي، لمّا كان بحر الرجز يقبل طيفا واسعا جدا من الزحافات والعلل والحذف والتشطير والتجزئة لم يرفعوه إلى مقام الأوزان العالية وجعلوه حمار الشعراء ومن العرب من لم يدخله في الشعر، والرجز أمكن في الشعر بمراحل من بحور الشعر الغربية التي تحاول إخفاء عورة النغم بالنبر ولذا حاولوا في القرن السابع عشر تبني النظم على بعض العروض العربي ولهم محاولات في البحر الطويل لكن بنية لغاتهم لا تعين على ذلك، وليس لهم إن أرادوا ذلك إلا تبني هياكل الصرف العربي وكثير من الألفاظ الشاعرة العربية ثم استيراد العروض العربي كما فعلت الفارسية الحديثة والأردية. هذه القصيدة في موازين شعرنا لا تعدو أن تكون خاطرة، ولن نوازنها بشعر الفحول الأوائل وإنما بأبيات معدودة من قصيدة طويلة لشاعر معاصر، وفي ذات الموضوع. يقول إسماعيل صبري (أستاذ شوقي وحافظ)

عَجيبٌ منَ المَوتِ أَفعالُه

وعتْبي على فعلِهِ أعجَبُ

بذا حكَمَ اللَهُ في خَلقهِ

لكلِّ امرىءٍ أجَلٌ يُكتَبُ

وجَدتُ الحياةَ طريقَ المماتِ

وكلٌّ إلى حَتفهِ يَسرُبُ

ويَعثُرُ فيها الفتى بالشَباب

وَيَدلِفُ بِالعِلَّةِ الأَشيَبُ

ويَتعَبُ بِالزادِ فيها الفِقير

وأهلُ الغنى بالغِنى أتعَبُ

ويَشقى أخو الجهل في جهلِهِ

ويحرجُ بالعالِمِ المَذهَبُ

مَوارِدُ مَشروعَةٌ لِلحَياةِ

فَأيُّ موارِدِها الأَعذَب

فيا نائيا والهوى ما نَأى

وذِكراهُ في البالِ لا تَعزُب

تَنَعَّمتَ فيها وخَلَّفتَني

لدى منزِلٍ بَرقهُ خُلَّبُ

وإن وازن غيرنا مقاطع ما يسمونه شعراً بالنَّبر فإن ما لا يستطيعونه التقفية، فشعر غير العربية غير مقفى ثم حاول الغرب تقليدنا مع القرن 14 م لكنهم لا يستطيعون ذلك إلا في مقاطع صغيرة كهذه أما تقفية شيء بحجم المعلقات فلا يحلمون به، لأن علم الصرف في لغاتهم لا يعينهم.

 بسبب ثراء المعجم العربي والمرونة الصرفية والنحوية وكثرة بحور الشعر معنا، بلغنا في التحدي بالقوافي أن نكتب اللزوميات حيث لا نلتزم بالقافية والروي فحسب، بل قد يلزم الشاعر نفسه بالردف؛ ذلك الحرف الذي قبل الروي، لا لشيء إلا لإظهار مرونة اللغة وثباتها، وكثير من الشعراء لهم قصائد طويلة في ذلك، وقوافي لزومياتهم ثابتة كالرواسي، واستطاع المعري ذلك البصير إنجاز ديوان كامل من هذا القبيل اسمه اللزوميات، وتحمل قصائده أفكاراً فلسفية غاية في العمق.

 لذا فمطالبة التحرر من الأوزان والقوافي في الغرب مفهوم الأسباب، فأوزانهم محدودة وتصريف مفرداتهم أشد محدودية لكن أن يتبنى هذا بعض العرب فهذا ما لا يمكن أن يعلل.

وهذا النزق ينطبق على محاولة البعض تقليد الغرب في اتجاهاتهم الأدبية وبحذافيرها. الأدب في الغرب تبعٌ للأوضاع الاجتماعية والتطور المادي، فتظهر مثلاً طبقة النبلاء التي تؤله مذاقها الخاص ولا ترضى بطرح أي موضوع لا يناسب مكانتها فتخرج نزعة أدبية تناسب هذا فيعدّ أدبهم كلاسيكيا، ثم يتحررون من النبلاء فيخرج ووردزورث ومجموعته الشعرية بنزعة أخرى فلا يعبر الإنسان إلا عن نزعته الفردية كيفما شاء، ثم يتغير ايقاع الحياة فيخرج تي اس اليوت بمسار حداثي للشعر والأدب، ثم يندمون عندما رأوا الفوضى فلا تمايز بين شعر ونثر ورمزية سكرانة فيظهر اتجاه (ما بعد الحداثة) ينزع إلى الكلاسيكي مع تحورات تناسب الأذواق المعاصرة، والله أعلم بالقادم من هوس، حيث ينتشر الشذوذ ولا بد أن يتبناه الأدب كما تبنته الكنيسة، فلا ثابت لديهم حتى الدين والأخلاق.

الأدب معنا من الثوابت وهو قرين الدين.. الشعر مرجعية أخلاقية فلا يركض وراء أهوائنا، بل نحن من نأوي إليه لنستقيم:

ولولا خلال سنها الشعر ما درى

بغاة الندى من أين تؤتى المكارم.

ع ح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عيد الأضحى 1446

  خطبة عيد الأضحى 1446  (تنبيه: العيد وافق جمعة ففي الخطبة فقرة بهذا) الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله ...