الثلاثاء، 28 يوليو 2020

البحتري: في الشيب زجر له لو كان ينزجر

قال البحتري[1] يمدح علي بن مر الخُطامي الطائي

1 في الشَيبِ زَجرٌ لَهُ لَو كانَ يَنزَجِرُ وَواعِظٌ مِنهُ لَولا أَنَّه حَجَرُ

2 اِبيَضَّ ما اسوَدَّ مِن فَودَيهِ[2] وَارتَجَعَت جَلِيَّةُ الصُبحِ ما قَد أَغفَلَ السَحَرُ

3 ولِلفَتى مُهلَةٌ في الحُبِّ[3] واسِعَةٌ ما لَم يَمُت في نَواحي رَأسِهِ الشَعَرُ

4 قالَت مَشيبٌ وَعِشقٌ رُحتَ[4] بَينَهُما وَذاكَ في ذاكَ ذَنبٌ لَيسَ يُغتَفَرُ

5 وعَيَّرَتني سِجالَ[5] العُدمِ جاهِلَةً وَالنَبعُ عُريانُ ما في فَرعِهِ ثَمَرُ[6]

6 وما الفَقيرُ الَّذي عَيَّرتِ آوِنَةً بَلِ الزَمانُ إِلى الأَحرارِ مُفتَقِرُ[7]

7عَزّى عَنِ الحَظِّ أَنَّ العَجزَ يُدرِكُهُ وَهَوَّنَ العُسرَ عِلمي في مَنِ اليُسُرُ

8 لَم يَبقَ مِن جُلِّ هَذا الناسِ باقِيَةٌ يَنالُها الوَهمُ[8] إِلّا هَذِهِ الصُوَرُ

9 بُخلٌ وَجَهلٌ[9] وَحَسبُ المَرءِ واحِدَةٌ مِن تَينِ حَتّى يُعَفّى خَلفَهُ الأَثَرُ[10]

10 إِذا مَحاسِنِيَ اللاتي أُدِلُّ بِها كانَت ذُنوبي[11] فَقُل لي كَيفَ أَعتَذِرُ

11 أَهُزُّ بِالشِعرِ أَقواماً ذَوي وَسَنٍ[12] في الجَهلِ لَو ضُرِبوا بِالسَيفِ ما شَعَروا

12 عَلَيَّ نَحتُ القَوافي مِن مَقاطِعِها وَما عَلَيَّ لَهُم أَن تَفهَمَ البَقَرُ[13]

13 لَأَرحَلَنَّ وَآمالي مُطَرَّحَةٌ بِسُرَّ مَن راءَ مُستَبطاً[14] لَها القَدَرُ

14 أَبَعدَ عِشرينَ شَهراً لا جَداً[15] فَيُرى بِهِ اِنصِرافٌ وَلا وَعْدٌ فَيُنتَظَرُ

15 لَولا عَلِيُّ بنُ مُرٍّ لَاستَمَرَّ بِنا خِلْفٌ[16] مِنَ العَيشِ[17] فيهِ الصابُ وَالصَبِرُ[18]

16 عُذنا بِأَروَعَ[19] أَقصى نَيلِهِ كَثَبٌ[20] عَلى العُفاةِ[21] وَأَدنى سَعيِهِ سَفَرُ

17 أَلَحَّ جوداً وَلَم تَضرُرْ سَحائِبُهُ وَرُبَّما ضَرَّ في إِلحاحِهِ[22] المَطَرُ

18 لا يُتعِبُ النائِلُ المَبذولُ هِمَّتَهُ وَكَيفَ يُتعِبُ عَينَ الناظِرِ النَظَرُ

19 بَدَت عَلى البَدوِ نُعمى مِنهُ سابِغَةٌ وَفراءُ يَحضُرُ أُخرى مِثلَها الحَضَرُ

20 مَواهِبٌ ما تَجَشَّمنا[23] السُؤالَ لَها إِنَّ الغَمامَ[24] قَليبٌ لَيسَ يُحتَقَرُ

21 يُهابُ فينا وَما في لَحظِهِ شَرَرٌ وَسْطَ النَدِيِّ[25] وَلا في خَدِّهِ صَعَرُ[26]

22 بَردُ الحَشا، وَهَجيرُ الرَوعِ، مُحتَفِلٌ[27]، وَمِسعَرٌ[28] وَشِهابُ الحَربِ مُستَعِرُ

23 إِذا ارتَقى في أَعالي الرَأيِ لاحَ لَهُ ما في الغُيوبِ الَّتي تَخفى فَتَستَتِرُ

24 تَوَسَّط الدَهرَ أَحوالاً فَلا صِغَرٌ عَنِ الخُطوبِ الَّتي تَعْرو وَلا كِبَرُ

25 كَالرُمحِ أَذرُعُهُ عَشرٌ وَواحِدَةٌ[29] فَلَيسَ يُزري[30] بِهِ طولٌ وَلا قِصَرُ

26 مُجَرِّبٌ طالَما أَشجَت عَزائِمُهُ ذَوي الحِجى وَهوَ غِرٌّ[31] بَينَهُم غُمُرُ[32]

27 آراؤُهُ اليَومَ أَسيافٌ مُهَنَّدَةٌ وَكانَ كَالسَيفِ إِذ آراؤُهُ زُبَرُ[33]

28 ومُصْعِدٌ في هِضابِ المَجدِ يَطلَعُها كَأَنَّهُ لِسِكونِ الجَأشِ مُنحَدِرُ[34]

29 مازالَ يَسبِقُ حَتّى قالَ حاسِدُهُ لَهُ طَريقٌ إِلى العَلياءِ مُختَصَرُ

30 حُلوٌ حَميتٌ[35] مَتى تَجنِ الرَضا خُلُقاً مِنهُ، وَمُرٌّ[36] إِذا[37] أَحفَظتَهُ[38] مَقِرُ[39]

31 نَهَيتُ حُسّادَهُ عَنهُ وَقُلتُ لَهُم السَيلُ بِاللَيلِ لا يُبقي وَلا يَذَرُ

32 كُفّوا وَإِلّا كَفَفتُم مُضمِري أَسَفٍ إِذا تَنَمَّرَ في إِقدامِهِ النَمِرُ

33 أَلوى[40] إِذا شابَكَ الأَعداءَ كَدَّهُمُ حَتّى يَروحَ وَفي أَظفارِهِ الظَفَرُ

34 والُّلؤمُ أَن تَدخُلوا في حَدِّ سَخطَتِهِ عِلماً بِأَنْ سَوفَ يَعفو حينَ يَقتَدِرُ

35 جافي المَضاجِعِ لا يَنفَكُّ في لَجَبٍ[41] يَكادُ يُقمِرُ مَن لَآلائِهِ القَمَرُ

36 إِذا خُطامَةُ سارَت فيهِ آخِذَةً خِطامَ نَبهانَ وَهيَ الشَوكُ وَالشَجَرُ[42]

37 رَأَيتَ مَجداً عِياناً في بَني أُدَدٍ[43] إِذ مَجدُ كُلِّ قَبيلٍ دونَهُم خَبَرُ

38 أَحسِن أَبا حَسَنٍ بِالشِعرِ إِذ جَعَلَتْ عَلَيكَ أَنجُمُهُ بِالمَدحِ تَنتَثِرُ

39 فَقَد أَتَتكَ القَوافي غِبَّ فائِدَةٍ كَما تَفَتَّحُ غِبَّ الوابِلِ الزَهَرُ

40 فيها العَقائِقُ[44] وَالعِقيانُ[45] إِنْ لُبِسَت يَومَ التَباهي وَفيها الوَشيُ[46] وَالحِبَرُ[47]

41 وَمَن يَكُن فاخِراً بِالشِعرِ يُمدَحُ[48] في أَضعافِهِ فَبِكَ الأَشعارُ تَفتَخِرُ[49]

 



[1]  أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى التنوخي الطائي، تلميذ أبي تمام ت 284هـ

[2]  الفَود معظم شعر الرأس مما يلي الأذن.

[3]  ويروى: العيش.

[4]  ورواية: أنت.

[5]  ويروى: خلال.

[6]  السِجال الدلاء جمع سجل وتعني شدة فقره، فدلاؤه فارغة. وشبه عوده بالنبع للجودة والصلابة ولا عيب في الشجرة أن تعرى من الثمر حينا، ومن أرادها مثمرة طيلة الوقت فهو جاهل.

[7]  ويروى: يفتقر.

[8]  ويروى: الفهم.

[9]  ويروى: جهل وبخل. ويروى: وحسب المجد.

[10]  يُعفَّى أي يدرُس فلا يقصده أحد رجاء فضله. والمُعْفِي الذي يَصْحَبُكَ ولا يَتَعَرَّضُ لمَعْروفِك، تقولُ: اصْطَحَبْنَا وكلُّنا مُعْفٍ؛ وقال ابن مقبل: فإنَّكَ لا تَبْلُو امْرَأً دونَ صُحْبةٍ .. وحتى تَعيشا مُعْفِيَيْنِ وتَجْهَدا. لسان العرب

[11]  يروى: عيوبي. ويروى: قُولي كيف أعتذر.

[12]  يروى: أهز بالشعر فهماً من ذوي وسن. ويروى غير ذلك.

[13]  يروى: وما علي بأن لا تفهم. ويروى: وما علي إذا لم تفهم. وجد من ينسب هذا البيت للمجثم الراسبي وأن البحتري ضمنه قصيدته وهو أمر مستبعد جداً من أبي عبادة.

[14]  يروى: يستبطا.

[15]  الجَدا مقصور الجدوى العطية.

[16]  الخِلف المتبقي ومنه خِلفة فم الصائم وخُلوفه بما يأتي به من رائحة مستكرهة. ومن معانيها ضرع الناقة أو حلمته.

[17]  يروى: الدهر.

[18]  الصاب واحدته صابة شجيرة مرة. و الصبر كذلك ونادرا ما تسكّن باؤه، وهو الصُبّار.

[19]  الأروع هو الرائع الذي يروعك كرمه وحسنه.

[20]  الكثب القُرْب.

[21]  العفاة والمعتفون السائلون.

[22]  يروى: في ذي الحاجة. ويروى: فوق الحاجة.

[23]  يروى: ما تكلفنا.

[24]  يروى: السحاب.

[25]  النديّ: نادي القوم ومجلسهم.

[26]  الصعَر: التكبر.

[27]  محتفِل ممتليء.

[28]  مِسعر الحرب: بطل الحرب الذي يقتدى به كأنها مُوقدها ومهيّجها.

[29]  كأنه رمح ساريسا.

[30]  يروى: فما استبد.

[31]  غر شاب.

[32]  غمر لم يجرِب.

[33]  أي لما كان يافعاً وكانت آراؤه لا تزال كالمادة الخام لصناعة السيوف (قطع الحديد)

[34]  تمثيل جميل لمضائه في نيل المجد وسهولة ذلك الارتقاء عليه.

[35]  الحميت من اللون والطعم الخالص الصادق.

[36]  يروى: وصاب.

[37]  يروى: متى.

[38]  أحفظته أي أثرت حفيظته مغضباً إياه.

[39]  المِقَر المر أو الحامض.

[40]  الأَلْوَى: الشديد الخُصومة، الجَدِلُ السَّلِيطُ، وهو أَيضاً المُتَفَرِّدُ المُعْتَزِلُ، وقد لَوِيَ لَوًى. والأَلْوَى الرجل المجتَنب المُنْفَرِد لا يزال كذلك؛ قال الشاعر يصف امرأَة: حَصانٌ تُقْصِدُ الأَلْوَى بِعَيْنَيْها وبالجِيدِ والأُنثى لَيَّاء، ونسوة لِيَّانٌ،، وإِن شئت بالتاء لَيَّاواتٍ، والرجال أَلْوُون.

[41]  اللجب كثرة أصوات العسكر.

[42]  خُطامة من بطون طيء الفرع الذي ينحدر منه الممدوح فيمدحها بأخذ زمام أمور القبيلة باقتدارفخطامة بن سعد بن نبهان بن عمرو بن طيء.

[43]  هنا ارتفع فشمل ما يتفرع عن أدد بن يشجب وهم طي والأشاعرة ومذحج ومرة.

[44]  العقائق جمع عقيق حجر اليَنَع الكريم تصنع منه فصوص الخواتم والخرز.

[45]  العقيان الذهب.

[46]  الوشي الثياب المنقوشة من كل لون.

[47]  جمع حبَرَة نوع من برود اليمن المنمّرة.

[48]  يروى: يذكر.

[49]  الديوان ج 2 قصيدة رقم 379 ص 953 وما يليها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عيد الأضحى 1446

  خطبة عيد الأضحى 1446  (تنبيه: العيد وافق جمعة ففي الخطبة فقرة بهذا) الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله ...