بَانَ الخَليطُ، وَلَوْ طُووِعْتُ
ما بَانَا[1]
جَرير بن عَطيّة بن
الخَطَفَى اليربوعي التميمي (ت 114هـ)
بَانَ الخَلِيطُ[2]،
وَلَوْ طُووِعْتُ[3]
ما بَانَا،
وَقَطَّعوا مِنْ حِبالِ الوَصْلِ
أَقرانا[4]
حَيِّ المَنَازِلَ[5]
إذْ لا نَبْتَغي بَدَلاً
بِالدَّارِ داراً، وَلا
الجِيرَانِ[6]
جِيرَانَا
قَدْ كُنْتُ في أثَرِ
الأظْعانِ[7] ذا
طَرَبٍ[8]
مُرَوَّعاً منْ حِذارِ البَينِ[9] مِحزانا
يا رُبَّ مُكتئبٍ لَوْ قدْ
نُعِيتُ لهُ
بَاكٍ، وآخَرَ مَسْرُورٍ
بِمَنْعَانَا
لوْ تَعلَمِينَ الذي نَلقى
أَوَيتِ[10] لَنا
أوْ تَسْمَعِينَ إلى ذي العَرْشِ
شَكوَانَا
كصاحِبِ المَوجِ إذْ مالتْ
سفينتُهُ
يَدعو إلى اللهِ إسراراً
وإعلانا[11]
يا أيّهَا الرّاكِبُ
المُزْجِي[12]
مَطيّتَهُ
بَلِّغْ تَحِيّتَنَا،
لُقّيتَ حُمْلانَا[13]
بَلِّغْ رسائلَ عَنّا خَفَّ
مَحْمَلُها
عَلى قَلائِصَ[14]
لمْ يَحْمِلْنَ حِيرَانَا[15]
كَيما نَقولُ إذا بَلَّغتَ
حاجتَنا
أَنْتَ الأمِينُ، إذا
مُستَأمَنٌ خَانَا[16]
نُهدِي السَّلامَ لأَهلِ
الغَوْرِ من مَلَحٍ[17]
هَيْهَاتَ[18]
مِنْ مَلَحٍ بالغَوْرِ مُهْدانَا
أَحبِبْ إليَّ بذاكَ الجِزعِ[19] مَنزِلةً
بالطَلْحِ طَلْحاً[20]
وبالأَعطانِ أعطانا[21]
يا ليتَ ذا القلبَ لاقَى
منْ يُعلِّلُهُ
أو ساقياً فسَقاهُ اليَومَ
سُلوانا[22]
أوْ لَيْتَهَا لمْ
تُعَلِّقْنَا عَلاقَتَهَا[23]
وَلَمْ يَكُنْ داخَلَ الحُبُّ
الذي كانا
هَلا تَحَرّجْتِ مِمّا
تَفْعَلينَ[24]
بِنَا
يا أطيَبَ النّاسِ يَوْمَ
الدَّجنِ أرَدَانَا[25]
يا طَيْبَ! هَل مِن مَتاعٍ
تُمْتِعينَ بِهِ
ضَيفاً لَكمْ باكِراً يا طَيبَ
عَجلانا[26]
قالَتْ: أَلِمّ بِنا إنْ
كنتَ مُنْطَلِقاً
وَلا إخالُكَ، بَعدَ
اليَوْمِ، تَلقانَا
ما كُنتَ[27]
أولَ مُشتاقٍ أَخي[28] طَرَبٍ
هَاجَتْ لَهُ غَدَوَاتُ
البَينِ[29]
أحْزَانَا
يا أُمَّ عَمروٍ جزاكِ
اللهُ مَغفرةً
رُدّي عَلَيّ فُؤادي كالّذي
كانَا
ألستِ أَحسَنَ مَنْ يَمشي
على قَدَمٍ
يا أَملَحَ الناسِ كُلِّ
الناسِ إنسانا[30]
يَلقى غَريمُكمُ منْ غَيرِ
عُسْرَتِكمْ
بالبَذْلِ بُخْلاً،
وَبالإحْسَانِ حِرْمانَا
لا تَأمَنَنَّ.. فإنِّي
غيرُ آمِنِهِ
غَدْرَ الخَلِيلِ إذا ما كانَ
ألْوَانَا[31]
قَدْ خُنْتِ مَنْ لمْ يكنْ
يَخشى خِيانَتكْم
ما كُنتِ أولَ مَوثوقٍ بهِ
خانا
لَقدْ كَتمتُ الهَوى حتى تَهَيَّمني[32]
لا أَستطيعُ لِهذا الحُبِّ
كِتمانا
كادَ الهَوى يَومَ سُلمانَينَ[33] يَقْتُلُني
وَكَادَ يَقْتُلُني يَوْماً
بِبَيْدَانَا[34]
وَبالحِمى[35]
غَيْرَ أنْ لَمْ يأتِني أَجلٌ
وكُنتُ مِن عُدَواءِ[36] البَينِ
قُرْحانَا[37]
لا بَارَكَ الله فيمَنْ
كانَ يَحْسِبُكُمْ
إلا[38]
عَلى العَهْدِ حتى كانَ مَا كانَا[39]
مِن حُبّكُمْ؛ فاعلَمي للحُبِّ
مَنزِلةً
نَهْوَى أمِيرَكُمُ[40]،
لَوْ كَانَ يَهوَانَا
لا بَارَكَ الله في الدُّنْيَا
إذا انقَطَعَتْ
أَسبابُ دُنياكِ مِنْ
أسبابِ دُنيانا
يا أمَّ عُثمانَ[41]
إنَّ الحُبَّ عَنْ عَرَضٍ[42]
يُصبِي[43]
الحَليمَ ويُبكي العَينَ أحيانا
ضَنّتْ[44]
بِمَوْرِدَةٍ، كانَتْ لَنَا شَرَعاً
تَشفِي صَدَى مُستَهامِ القَلبِ
صَديانَا[45]
كيفَ التَّلاقي وَلا
بالقَيظِ[46]
مَحضَرُكُم[47]
مِنّا قَرِيبٌ، وَلا
مَبْداكِ مَبْدَانَا
نَهوَى ثَرَى العِرْقِ إذ لَمْ
نَلْقَ بَعدَكُمُ
كالعِرْقِ عِرْقاً، وَلا
السُّلاّنِ سُلاّنَا[48]
ما أحْدَثَ الدّهْرُ ممّا
تَعلَمينَ لكُمْ
لِلحَبْلِ صَرْماً[49]
وَلا لِلعَهْدِ نِسْيَانَا
أَبُدِّلَ اللّيلُ، لا تَسرِي
كَوَاكبُهُ
أَمْ طالَ حتى حَسِبتُ النَّجْمَ
حَيرانا[50]
يا رُبَّ عائِدَةٍ[51]
بالغَوْرِ لَوْ شَهِدَتْ
عَزَّتْ عليها بِدَيْرِ
اللُّجِّ[52]
شَكْوَانَا
إنَّ العُيُونَ التي في
طَرْفِها حَوَرٌ[53]
قَتَلْنَنا ثُمَّ لَمْ[54] يُحْيِينَ
قَتلانا
يَصْرَعنَ ذا اللُّبِّ[55]
حتى لا حَرَاكَ[56]
بهِ
وَهُنَّ أَضعَفُ خَلْقِ
اللهِ أَركانا[57]
يا رُبَّ حاسِدِنا[58]
لَوْ كانَ يَطلُبُكُمْ
لاقَى مُباعَدَةً مِنْكمْ
وَحِرْمَانَا[59]
أَرَيْنَهُ المَوْتَ حَتى
لا حَيَاةَ بِهِ
قَدْ كُنّ دِنّكَ[60]
قَبلَ اليَوْمِ أدْيَانَا
طارَ الفؤادُ معَ الخَوْدِ[61]
التي طَرقتْ[62]
في النَّومِ طَيِّبةَ الأَعطافِ[63] مِبْدانا[64]
مَثْلُوجةَ الرِّيقِ بَعْدَ
النَّومِ،[65]
واضِعةً
عَنْ ذي مَثانٍ، تَمُّجُ المِسْكَ
والبانا[66]
تَستافُ[67]
بالعَنبرِ الهِنديِّ قاطعةً
هَمَّ الضَّجيعِ فلا دُنيا
كَدُنيانا
ظَنِّي بِكُمْ حَسَنٌ، مِنْ
خِبْرَةٍ بِكمُ،
فلا تكونوا كَمَن قد كان أَولوانا
بِتنا نَراها كأنَّا مالكون
لَها[68]
يا ليتَها صَدَّقتْ[69]
بالحَقِّ رُؤيانا
قالتْ تَعَزَّ فإنَّ القومَ
قدْ جَعلوا
دُونَ الزيارة ِأبواباً وخُزَّانا
لَمّا تَبَيّنْتُ أنْ قَد
حِيلَ دُونَهُمُ
ظَلَّتْ عَساكرُ مِثلُ
الموتِ تَغشانا
ماذا لَقيتُ مِنَ الأظعانِ
يَومَ قِنىً[70]
يَتْبَعْنَ مُغترِباً، بالبَينِ
ظَعّانا
أَتْبَعْتُهمْ مُقلةً إنسانُها
غَرِقٌ
هلْ ما تَرى تاركٌ للعَينْ إنسانا[71]!
كأنَّ أَحداجَهمْ[72] تُحْدَى
مُقَفِّيةً[73]
نَخْلٌ بِمَلْهَمَ، أوْ
نَخلٌ بقُرّانَا[74]
يا أمَّ عُثمانَ ما تَلقى رَواحِلُنا
لَوْ قِسْتِ مُصْبَحنا منْ
حيثُ مُمْسانا[75]
تَخْدِي[76] بِنا
نُجُبٌ، دَمَّى مَناسِمَها[77]
نَقْلُ الحَزَابيِّ[78]
حِزّاناً، فَحِزّانَا[79]
تَرْمِي بِأعيُنِها نَجْداً
وقدْ قَطَعَتْ[80]
بَينَ السَّلوطحِ[81]
والرَّوحانِ[82]
صَوَّانا[83]
يا حَبَّذا جَبَلُ الرَّيانِ[84]
منْ جَبَلٍ
وَحَبّذا ساكِنُ الرَّيّانِ
مَنْ كَانَا
وَحَبّذا نَفَحَاتٌ مِنْ
يَمَانِيةٍ
تأتيِكَ مِن قِبَلِ[85]
الرَّيانِ أَحيانا
هَبَّتْ شَمالاً[86]
فذِكرِي ما ذَكَرْتُكمُ
عِندَ الصَّفاةِ[87] التي[88] شَرقيَّ
حَورانا[89]
هلَ يَرجِعَنَّ، ولَيسَ الدَّهرُ
مُرتجَعاً،
عَيشٌ[90] بها
طالما احلولَى وما لانا
أزْمانَ[91]
يَدعُونَني الشّيطانَ مِن غَزَلي
وَكُنَّ[92] يَهوَينني
إذْ كنتُ شَيطانا
مَنْ ذا الذي ظَلَّ يَغلِي
أنْ أزورَكمُ
أَمْسَى عَلَيْهِ مَلِيكُ
النّاسِ غَضْبانَا[93]
ما يَدَّري شُعراءُ الناسِ
وَيْلَهُمُ
مِنْ صَوْلَةِ المُخْدِرِ
العادي بِخَفّانَا[94]
جَهْلاً تَمَنَّوا حُدائي مِنْ
ضَلالتهمْ[95]
فَقَدْ حَدَوْتُهُمُ
مَثْنَى وَوُحْدَانَا[96]
غادَرْتُهمْ مِنْ حَسيرٍ[97] ماتَ
في قَرَنٍ[98]
وَآخَرِينَ نَسُوا
التَّهْدارَ خِصْيَانَا[99]
ما زالَ حَبْلِيَ في أعناقِهمْ
مَرِساً[100]
حتى اشتَفَيْتُ، وَحتى دانَ
مَنْ دانَا
مَنْ يَدْعُني مِنْهمُ يَبغي
مُحاربتي
فَاسْتَيِقنَنّ؛ أُجِبْهُ غَيرَ
وَسْنَانَا[101]
ما عَضَّ نابيَ قوماً أوْ
أقولَ لهمْ
إياكمُ ثُمَّ إياكمْ وإيَّانا[102]
قُلْ لِلأخيطلِ لَم تَبلُغ
مُوازَنتي
(شطر حذفناه لبذاءته)
إنيَّ امرؤٌ لَمْ أُرِدْ
فيمنْ أُناوِئهُ
لِلنّاسِ ظُلْماً ولا لِلحَربِ
إدهانا
أَحمِي حِمايَ، بأعلى المَجدِ
مَنزِلتي
مِن خِندِفٍ والذُرى مِن قَيسِ
عَيلانا[103]
...
قالَ الخليفة ُوالخِنزيرُ[104]
مُنْهَزِمٌ:
ما كُنتَ أولَ عَبْدٍ مُجْلَبٍ[105]
خانا[106]
لاقَى الأخَيْطِلُ
بالجَوْلانِ[107]
فاقِرَةً[108]
مِثْلَ اجتِداعِ القَوَافي
وَبْرَ هِزّانَا[109]
يا خُزْرَ تَغلِبَ[110]
ماذا بالُ نِسوتِكمْ
لا يَسْتفِقْنَ إلى الدَّيرينِ
تَحْناتا[111]
لَمَّا رَوِين[112]
على الخِنزيرِ مِن سَكَر[113]
نادَيْن يا أَعظَمَ القَسَّين[114]
جُردانا[115]
لنْ تُدركوا المَجدَ أو[116]
تَشرُوا[117]
عَباءَكمُ[118]
بِالخَزِّ[119]
أوْ تَجعَلُوا التَّنُومَ ضُمْرانا[120]
أو تَتركونَ[121]
إلى القَسَّين هِجرَتَكم
ومَسْحَكم صُلْبَهم: رَخمانَ
قُربانا[122]
----
تم التحقيق والشرح
والحمد لله رب العالمين،
وعساها أن تعود القصيدة
بهذا إلى ذات منزلتها التي وصفها بها بديع الزمان الهمذاني في بعض مقاماته بقوله:
"قَدْ حَفِظَهَا الصِّبْيَانُ، وَعَرَفَتْها النِّسْوانُ،
وَوَلَجتِ الأَخْبِيةَ، وَوَرَدِتْ الأَنْدِيَة".
عبدالله بن حمدان
تويتر: شؤون
إنسانية
[1] هذه القصيدة
من ثلاثة وسبعين 73 بيتاً من بحر البسيط، جاءت في ديوانه ولكن بأخطاء في الرسم
والترقيم والشرح، مع إهمال شرح كثير مما ينبغي شرحه، وعزّ أن تأتي في كتب الأدب
إلا نُتَفا، وهي غير مدرجة في كتاب أبي تمام "نقائض جرير والأخطل" رغم
احتوائها على هجاء الأخطل، فلم تنل حظها من الشرح عنده، وأهملها ابن ميمون
البغدادي في "منتهى الطلب من أشعار العرب" رغم إسهابه في اختيار ما هو
أقل منها قيمة من شعر جرير. وجعلنا عنوانها الشطر الأول تاماً لأن لجرير خمس قصائد
أخرى مطالعها "بان الخليط" والتي هي من بصمات جرير في كثرة التوظيف رغم
شيوعها منذ الجاهلية، والمطالع الأخرى هي 1: بانَ الخَليطُ
فَوَدَّعوا بِسَوادِ * وَغَدا الخَليطُ رَوافِعَ الأَعمادِ، 2: بانَ الخَليطُ
غَداةَ الجِنابِ * وَلَم تَقضِ نَفسُكَ أَوطارَها، 3: بانَ الخَليطُ بِرامَتَينِ فَوَدَّعوا
* أَوَ كُلَّما رَفَعوا لِبَينٍ تَجزَعُ، 4: بانَ الخَليطُ فَعَينُهُ لا تَهجَعُ *
وَالقَلبُ مِن حَذَرِ الفِراقِ مُرَوَّعُ، 5: بانَ الخَليطُ فَما لَهُ مِن مَطلَبِ
* وَحَذَرتُ ذَلِكَ مِن أَميرٍ مِشغَبِ.
[2] الخليط من
يخالطك ويعاشرك فتكون بينك وبينه ألفة ووداد. و"الخليط" من مفردات جرير
المميزة ترددت في شعره 15 مرة، وكانت مُعينه في رثاء زوجته خالدة أم حرزة بقصيدة
(لولا الحياء)، يقول فيها: كانَ الخَليطُ هُمُ الخَليطَ فَأَصبَحوا مُتَبَدِّلينَ
وَبِالدِيارِ دِيارُ. ولا يبعد أن يكون الخليط بهذه القصيدة إشارة إليها ثم خلط
الموضوع بغيرها كعادة الشعراء في مزج العواطف والإبهام والتعميم انطلاقاً إلى فضاءات
أرحب وتحرراً من الذاتية.
[3] طووعتُ أي
تمت إطاعتي وأُخِذ برأيي، ومن شائع الأخطاء عند الخاصة والعامة رسمها (طُوِّعت) وهو
خطأ يفسد المعنى وقع حتى في الديوان، فالتطويع التركيع ويقع على المتحدث وهو ليس
المراد هنا. وإنما المراد طُووِع من المطاوَعة والموافقة، الواو الأولى أصلية
والثانية منقلبة عن ألف فاعَل مثل قُوتل وشوهِد ونودِم وعوتِب ونوقِش و ووفِق.
وأحسب أن سبب الخطأ في الرسم هو تماثل طوِّعت وطووعت في النطق، فيرسمها السامع غير
المنتبه للمعنى بواو واحدة مثقّلة.
[4] الأقران جمع قَرَن،
بالتحريك وتجمع قَرَن كذلك على قَرَن نفسها، وهو الحبل الذي يُقرن به بين البعيرين
يُشدّان به للقياد، وتعني الأقران هنا حبال وصل الأحبة، وفي الحديث: أَنه عليه
السلام، مَرَّ برَجلين مُقترنين أَي مشدودين أَحدهما إِلى الآخر بحبل، فقال: ما
بالُ القِران؟ قالا: نذَرْنا.
[5] هناك من يسمي
هذه القصيدة بقصيدة حَيِّ المنازل، ولعل هذا لا يصلح إذ لجرير جملة قصائد بها (حي
المنازل) منها: حَيِّ المَنازِلَ بالبُرْدَينِ قد بَلِيَتُ * للحَيِّ لم يَبقَ
منها غير أبلاد، وقصيدة أخرى بها: حَيِّ المَنازِلَ وَالمَنازِلُ أَصبَحَت * بَعدَ
الأَنيسِ مِنَ الأَنيسِ قِفارا، بل له أربع قصائد مطالعها (حي المنازل) وهي: ألاَ
حيّ المنازلَ بالجنابِ * وقدْ ذكَّرنَ عهدكَ بالشبابِ، وقصيدة: حَيِّ المَنازِلَ
بِالأَجزاعِ غَيَّرَها * مَرُّ السِنينَ وَآبادٌ وَآبادُ، وقصيدة: أَلا حَيِّ
المَنازِلَ وَالخِياما * وَسَكناً طالَ فيها ما أَقاما، وقصيدة: حَيِّ المَنازِلَ
بِالأَجزاعِ فَالوادي * وادي المُنيفَةِ إِذ تَبدو مَعَ البادي. وقد يجعلها أحيانا
(ألا حي ربع المنزل المتقادم * وما حلّ مذ حلّت به أم سالم) وأحيانا (حي الديار)،
وذلك في قصيدة: أَلا حَيِّ الدِيارَ وَإِن تَعَفَّت، وقصيدة: حَيِّ الدِيارَ
بِعاقِلٍ فَالأَنعُمِ. وجرير أكثر شاعر استخدم (حي المنازل/الديار) بلا مقارب له، ولعل
أول من ابتدعه الحارث بن عباد (جاهلي): حَيِّ المَنازِل أَقفَرَت بِسِهامِ *
وَعَفَت مَعالِمُها بِجَنبِ بِرامِ
[6] ويروى:
وبالجيران جيرانا.
[7] يعني بالأظعان
الراحلين من الأحبة من الظعن وهو السَّير وفي القرآن (يوم ظعنكم) أي ترحالكم، إلا
أن كلمة ظعينة تشير إلى المرأة خاصة فعن ابن السكِّيت: كل امرأَة ظَعِينَةٌ في
هودج أَو غيره، والجمع ظَعائنُ وظُعْنٌ وظُعُنٌ وأَظْعانٌ وظُعُناتٌ؛ الأَخيرتان
جمع الجمع؛ قال بِشْرُ بن أَبي خازم: لهم ظُعُناتٌ يَهْتَدِينَ برايةٍ * كما
يَستَقِلُّ الطائرُ المُتَقَلِّبُ، وقيل: كل بعير يُوَطأُ للنساء فهو ظَعِينة، وإنما
سميت النساء ظَعَائِن لأَنَّهنَّ يكنّ في الهَوْادج. يقال: هي ظَعينته وزَوْجُه
وقَعِيدته وعِرْسه. وقال الليث: الظَّعِينة الجَمَل الذي يُرْكَب، وتسمى المرأَة
ظَعينة لأَنها تركبه.
[8] الطَّرَبُ
خفة تَعْتَري الإنسان عند شدَّة الفَرَح أَو الحُزن والهمّ، وهو يريد الهمَّ هنا،
ومثله قول النابغة الجعديّ في الهمّ: سَأَلَتْني أَمتي عن جارَتي * وإِذا ما عَيَّ
ذو اللُّبِّ سَأَلْ/ سَأَلَتْني عن أُناسٍ هَلَكوا * شَرِبَ الدَّهْرُ عليهم
وأَكلْ/ وأَراني طَرِباً، في إِثْرِهِمْ، * طَرَبَ الوالِهِ أَو كالمُخْتَبَلْ.
الواله الثاكل والمختبل المجنون.
[9] البَين هنا
الفِراق. وقيل البين من الأضداد وأُوِّلتْ عليه قراءة ابن كثير وأبي عمر وابن عامر
وحمزة (لَقَدْ تَقَطَّعَ بيْنُكُمْ) بالرفع أي وصلكم، وأما من قرأ بالنصب فعلى
الحذف أي ما بينكم. أما الأمثال الشعرية لإثبات أن البين من الأضداد فمصنوعة،
ولهذا أنكر ابن عطية في تفسيره كونها من الأضداد.
[10] أويت لنا:
رثيت لحالنا وترفقت بنا. أَوى إِليه أَوْيَةً وأَيَّةً ومأْوِيَةً ومأْواةً: رَقَّ
ورَثى له؛ قال زهير: بانَ الخَلِيطُ ولم يَأْوُوا لمنْ تَرَكُوا * وزودوك اشتياقاً
أية سلكوا.
[11] وَإِذَا
مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ
إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا.
[12] زَجَّيْتُ
الشيء تَزْجِيَةً، إذا دفَعتَه برفق.
[13] حُملان أي
أجراً على ما حَمَلت كأنه يقول جزاك الله خيراً، والحُملان كذلك ذات ما يُحمَل.
وهذا الأسلوب في النظم يذكِّر ببيت جرير الآخر: يا أَيُّها الرَجُلُ المُرخي
عِمامَتَهُ * هَذا زَمانُكَ إِنّي قَد مَضى زَمَني.
[14] قلائص جمع
قَلوص وهي الفتيّة القوية من الإبل.
[15] حِيران جمع
حُوار. أي لم ينتجن بعد للتنبيه على قوتهن. الحُوَارُ والحِوَارُ،
الأَخيرة رديئة عند يعقوب: ولد الناقة من حين يوضع إِلى أَن يفطم ويفصل، فإِذا فصل
عن أُمه فهو فصيل، وقيل: هو حُوَارٌ ساعةَ تضعه أُمه خاصة، والجمع أَحْوِرَةٌ وحِيرانٌ
فيهما. قال سيبويه: وَفَّقُوا بين فُعَالٍ وفِعَال كما وَفَّقُوا بين فُعالٍ وفَعِيلٍ،
قال: وقد قالوا حُورَانٌ، وله نظير، سمعت العرب تقول رُقاقٌ ورِقاقٌ، والأُنثى بالهاء؛
عن ابن الأَعرابي. وفي التهذيب: الحُوَارُ الفصيل أَوَّلَ ما ينتج.
[16] إن قمت
بتبليغ الرسائل شكرنا أمانتك أيها الراكب.
[17] غَور مَلَح
موضع ماء لبني العدوية (بلعدوية) يقال بأن موضعه بالكويت قرب الأحمدي. يمر عليه
الشاعر في سفره بين اليمامة بلاد نشأته والبصرة مستقره، وهو وأهل هذا الموضع من
ذات المحتد. يقال بأن جرير من قرية أُثَيفية بالوشم ويستدل على ذلك بأن ياقوت
الحموي (ت 626 هـ) قال في معجم البلدان عن أُثَيفية "قرية لبني كليب بن يربوع بالوشم من أرض اليمامة وأكثرها لولد جرير بن الخطفى
الشاعر". المستغرب عدم ذكر جرير لهذه القرية بأي من
أسمائها المزعومة (أثيفية وأثيفيات وذات الأثافي وأثيثية)، وقد يسكن الأحفاد غير قرى آبائهم، ولكن
جريراً ذكر الوشم، ودون انتساب إليها، في قوله: عَفَت قَرقَرى
وَالوَشمُ حَتّى تَنَكَّرَت * أَوارِيُّها وَالخَيلُ ميلُ الدَعائِمِ. ولبني يربوع
وجود قديم في الحزن، والجواء، والقصيم، واليمامة، والهدية، وضلفع، وغيرها شأن
امتداد تميم الواسع حتى قال جرير: لَنا في بَني سَعدٍ جِبالٌ حَصينَةٌ * وَمُنتَفَدٌ
في باحَةِ العِزِّ واسِعُ.
[18] هيهات: بعيد
أي يستبعد مدى هذه التحية من موضعه بالشام إلى غور ملح. ولجرير: فهيهات هيهات
العقيق ومن به * وهيهات خِلٌ بالعقيق نواصله. ويجوز فتح تائها وكسرها والشائع
فتحها، ويجوز أن تقف عليها هاء، وتجوز أيهات.
[19] جِزْع القوم
مَحَلّتهم، وأصله جانب الوادي أو بطنه الرملي المتسع المشجر، وإذا قَطع الإنسان
الوادي عرضاً قيل جَزَع الوادي.
[20] الطَّلْحُ شجرةُ
السَّنْط وتسمى القَرَظ تنتمي إلى فصيلة السَّمر (الأكاسيا)، وجَناتها كجَناةِ السَّمْرَةِ،
ولها شَوْك أَحْجَنُ؛ وهي أَعظم العِضاهِ شوكاً وأَصْلَبُها عُوداً وأَجودها صَمْغاً
لدبغ الجلود.
[21] الأعطان مبارك
الإبل جمع عَطَن والعَطَنُ للإِبل كالوَطَنِ للناس، وقد غَلَبَ
على مَبْرَكِها حولَ الحَوض، والمَعْطَنُ كذلك.
[22] سَلاهُ وسَلا
عنه وسَلِيَه سَلْواً وسُلُوّاً وسُلِيّاً وسِلِيّاً وسُلْواناً: نَسِيَه،
وأَسْلاهُ عنه وسَلاَّه فتَسَلَّى، وذكر سقيا السلوان على هذا بليغ، ولكن قد يكون
إشارة إلى الأسطورة بأن السُّلْوانة خَرَزة تُسْحَق ويُشْرَبُ ماؤُها فيَسْلُو
شارِبُ ذلك الماءِ عن حُبِّ من ابْتُلِيَ بحُبِّه.
[23] ويروى
علائقَها. العَلاقة تعلُّق الحب والهوى الملازم للقلب.
عَلِقَها، بالكسر، عَلَقاً وعَلاقةً وعَلِقَ
بها عُلوقاً وتَعَلَّقها وتَعَلَّقَ بها وعُلِّقَها وعُلِّق بها تَعْلِيقاً:
أَحبها، وهو مُعَلِّقُ القلب بها؛ قال الأَعشى: عُلِّقْتُها عَرَضاً، وعُلِّقَتْ
رجلاً غَيْري، وعُلِّقَ أُخْرَى غَيْرها الرجلُ وقول أَبي ذؤَيب: تَعَلَّقَهُ منها
دَلالٌ ومُقْلَةٌ، تَظَلُّ لأَصحاب الشَّقاءِ تُديرُها أَراد تَعَلَّقَ منها
دَلالاً ومُقْلةً فقلب.
اللسان
[24] ويروى: قد
فعلتِ.
[25] يوم دَجْن إذا كان ذا مطر، ويوم دَغْن إذا كان ذا غَيم بلا مطر. والأردان جمع
رُدن القُنان أسفل كُم الثوب، وهذا من أطيب التمثيل للمرأة الحصان، ففي اليوم
المطير تهفو كل نفس للخروج فتبتل ملابسه بما يمحو العطور منها لكن هذه عطورها
باقية يوم الدجن دلالة على عدم بروزها حتى في اليوم الذي يتوقع من الناس الظهور
فيه. أو قل بأنه يوم اختباء وعدم اهتمام بالمظاهر لكن هذه مكترثة فأردناها تنفح
عطرا.
[26] طيب ترخيم
اسم طيبة. سيغادر باكراً.
[27] الأنسب أن
يكون هذا من كلامها هي ويستقيم التركيب والمعنى بهذا الترتيب بين هذا البيت والذي
سبقه، والشائع المخالفة بينهما مع رفع (كنتُ)، بما يثلم القصيدة.
[28] بالجر صفة
مشتاق وهذه هي الرواية في نُسخة الديوان بشرح محمد بن حبيب (ت245هـ) تحقيق د.
نعمان محمد أمين طه ط3، وفي الحماسة البصرية، وهو الوجه الأجمل. وإذا نصبته جعلته
مفعولاً به لمشتاق.
[29] الغَدوات جمع
غَداة، والغُدْوة بالضم البُكْرَة ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس. والبَين الفراق.
[30] إنسان بَشَر
أو إنسان العين، كله يصح.
[31] ألواناً أي
متلوناً عليك في أخلاقه.
[32] الهِيام
والهُيام والتَّهيام جنون العشق، مأخوذ من الهَيم:
داءٌ يأْخذ الإبلَ في رؤوسها.
والهائمُ: المتحيِّرُ.
[33] سلمانين بضم أوّله، وتكرير النون، علم مرتجل بلفظ التثنية: اسم موضع،
قال جرير: هل ينفعنّك، إن جرّبت، تجريب * أم هل شبابك بعد الشيب مطلوب/ أم كلّمتك
بسلمانين منزلة * يا منزل الحيّ جادتك الأهاضيب/ كلّفت من حلّ ملحوبا وكاظمة * هيهات
كاظمة منّا وملحوب/ قد تيّم القلب حتى زاده خبلا * من لا يكلّم إلّا وهو محجوب.
ويروى سلمانين، بكسر النون الأولى وفتح الثانية، بلفظ جمع السلامة لسلمان، وهو
الأكثر، فأما من روى بلفظ التثنية فقال هما واديان في جبل سواج ويقع غرب منطقة القصيم في الشبيكية، ومن روى بلفظ جمع السلامة لسلمان فقال سلمانين واد
يصبّ على الدهناء شمالي الحفر حفر الرّباب بناحية اليمامة بموضع يقال له الهرار،
والهرار: قفّ، والقول فيه كالقول في نصيبين إلّا أنّا لم نسمع فيه إلّا سلمانين
بلفظ الجرّ والنصب. معجم البلدان. ولجرير تعلق كبير بسلمانين إذ يقول في موضع
ثالث: أتنسى إذ تودعنا سليمى * بفرغ بشامةٍ، سقي البشامُ/ ولو وَجد الحمامُ كما
وجدنا * بسلمانين لاكتأب الحمامُ.
[34] بَيدان قرية ومورد ماء بنجد عند ضرية كانت حينها إحدى مساكن بني جعفر بن
كلاب. قال مالك بن خالد الخناعي ثم الهذلي: جوار شظيّات وبَيدان أنتحي * شماريخ
شمّا، بينهنّ ذوائب. ورواية العقد الفريد والحماسة المغربية (بِنُعمانا).
[35] أي وكاد يقتلني بالحمى أيضاً، ويعني بالحمى موضعاً معهودا بعينه، وإلا
فالحِمَى كل موضع فيه كَلأٌ يُحْمَى من الناس أَن يُرْعى.
[36] العُدَواءُ
والعَداءُ والعادية، كلُّه: الشُّغْلُ يَعْدُوك عن الشيء. وعُدَواءُ الشُّغْلِ
موانِعُه.
[37] القُرْحانُ، بالضم
الخَلِيُّ، وهو من لم يَمَسَّه القَرْحُ من الناس، من جُدَرِيّ أو حصبة، ومن
الإِبل: الذي لم يصبْه جَرَبٌ قَطُّ، ويصح اللفظ للمثنى والجمع والمؤنث؛ إِبل قُرْحانٌ وصَبيٌّ قُرْحانٌ، والاسم
القَرْح، ومنه الماء القراح الذي لا يشوبه شيء. ويروى البيت: وَكَادَ يَوْمَ لِوَى حَوّاءَ
يَقْتُلُني * لوْ كُنتُ مِن زَفَرَاتِ البَينِ قُرْحانَا، ولواء حواء عِرق رمل كان
يعرف باليمامة. ونحن نستبعد هذه الرواية لوجود بيت مشابه جداً للشاعر الجاهلي
زَبَّان بن سيّار الفزاري يقول فيه: كادَ الفِراقُ غَداةَ البَينِ يَفجَعُني * لَو
كُنتُ مِن فَجَعاتِ البَينِ قُرحانا.
[38] أداة
الاستثناء الممتلئة بالمعنى ههنا أشارت إلى قسم محذوف ونفي للفعل (يحسب) والتقدير:
كان والله لا يحسبكم إلا على العهد.
[39] هذا دعاء لا يراد منه سوى المبالغة والتنبيه، لا حقيقة معنى الدعاء مثله مثل تَرِبَت يداك، وثكلتك أمك، وويل أمه ولا أبا لك، وعقرى حلقى، ، وقاتله الله ما أشجعه...الخ والسلامة أن لا يدعو الإنسان على نفسه بشر. وهذا البيت بأكمله أتى في قصيدة تنسب إلى قيس بن ذريح مطلعها: بانَت لُبَينى فَهاجَ القَلبُ مَن بانا وَكانَ ما وَعَدَت مَطلاً وَليّانا. وقيس توفي سنة 68 هـ فهو سابق على جرير ت 114 أو بعدها، ولا أرى القصيدة المنسوبة إلى قيس بن ذريح إلا قصيدة منتحلة إذ أن كل أبياتها تقليد ضعيف لقصيدة جرير باستثناء ذكر النكاح. ولا يمكن أن يكون جرير سرق قصيدة قيس بحال من الأحوال لأنفته أولا وغناه عنها ولأنه مراقب مراقبة شديدة من خصومه بما سيجعله لقمة سائغة لهم ولا نهوض له بعدها، وهذا الفرزدق يبحث له عن هفوة: لن تُدرِكوا كَرَمي بِلُؤمِ أَبيكُمُ * وَأَوابِدي بِتَنَحُّل الأَشعار. ولا يبعد أن يختلقها خصوم جرير ويدسونها في شعر من سبقه ولا يحتجون بها عليه في حينه فيتركونها للأيام لتدخل الشك، لأنهم إن أعلنوها سينكشف الأمر لكثرة الرواة الذي يضبطون شعر الأوائل، ويعرفون المزيّف. وكيف يكون ما وعدت لبنى مطلا و لَيَّاً وهو الذي طلّقها حسب زعمهم بأمر أبيه بلا جريرة منها وهم يقولون بأنه كتب القصيدة ندما على تطليقها! وحاشا أعف العذريين شعرا أن يصف من كانت حليلته للناس عارية وهو أخ للحسين بن علي رضي الله عنهما من الرضاع على ما يروون.
[40] الأمير:
الولي. بسبب منزلة حبكم فقط هويناه.
[41] لم يكن جرير
من العشاق فكان نسيبه لأجل الفن وأبدع فيه مع عفّة ورقّة وقد كثرت أسماء النساء في
شعره ولم يلتزم بواحدة، مع ذكره لزوجتيه خالدة وأمامة وتقديره الكبير لهما وذكر
الزوجة أمر ليس بالكثير في غزل الشعراء، وخالدة هي التي رثاها بقصيدته (لولا
الحياء لهاجني استعبار) وليته أفرد هذه القصيدة للرثاء دون مهاجاة الفرزدق. التغزل
بأكثر من اسم في نفس قصيدة ليس بالشائع، وإذا لم يكن ثمة مسيطر سوى الفن فقد يكون
داعي الوزن سببا أحيانا في تنويع الأسماء فهنا مثلاً لا يصلح وزناً (عمرو) والأهم
ما يخدم المعنى مع بقاء الرمزية اسماً تاماً أو مرخّماً أو كناية أو لقبا أو صفة.
ذكر جرير في هذه القصيدة طيبة (طيب) وأم عمرو وأم عثمان، وتغزل في قصائد أخرى
بأسماء كثيرة نحو: ولو صرمت حبلي أمامة تبتغي - وما صبري عن الذلفاء إلا (الذلفاء هي
أمامة زوجه والذلف قصر في الأنف وهو من صفات الظباء) - ألا حي ليلى إذ أجد اجتنابها- يا مي ويحك أنجزي
الموعودا (ولعل مي هي أمامة) - أخلبتِنا وصددتِ أمّ محلِّم (وهي مي) - أخالدَ لو
سألتِ علمتِ أني (ترخيم زوجته خالدة أم حرزة) - مهلا نوار أقلي اللوم والعذلا- يا
أم طلحة ما لقينا مثلكم - قد كنت خدنا لنا يا هند فاعتبري - ألِمَا على سلمى فلم
أر مثلها - أتنسى إذ تودعنا سليمى - لعمرك أن نفع سعاد عني – نعم كل من يُعنى
بجُمْلٍ مُترَّحُ - وما حلّ مذ حلّت به أم سالم الخ. وهذه الأبيات تلخص طرفاً من
موضوع المرأة والغزل في شعر جرير: وأعطيت عَمراً من أمامة حكمَه * ولَلمشتَرى منه
أمامة أربحُ/ صحا القلب عن سلمى وقد برّحت به * وما كان يلقى من تماضر أبرحُ/ إذا
سايرت أسماء يوماً ظعائنا * فأسماء من تلك الظعائن أملح.
[42] سهمُ عَرَض
وحجرُ عَرَض بالإضافة إذا تعمّد به غيره فأصابه. كما في قولَي عنترة والأعشى:
عُلِّقتها عَرَضا...، ويجوز (عن عُرُض): أي عن جانب معترض كيفما اتفق، والمقصد
انها اعترضت سبيله فكانت مطمعاً كالصيد، يقال عن عُرْض وعُرُض مثل عسْر وعسُر.
ومنه قول كعب بن زهير في البردة: مَدْخُوسةٌ قُذِفَتْ بالنَّحْضِ عن عُرُضٍ، ويروى
عَيْرانَةٌ قُذِفَت
في اللَحمِ عَن عُرُضٍ، أَي أَنها
تَعْتَرِضُ في مَرْتَعِها. ومنه تسمية السحاب عارضا (هذا عارِضٌ مُمطِرُنا) لاعتراضه في أفق
السماء، ومنهم قولهم: ضَرَبَ بِه عُرْضَ الحائِطِ.
[43] يُصْبِيه
يشوقه ويستهويه. الصَبْوةُ المَيْلُ إِلى الهَوَى.
[44] ضنّت: بخلت.
[45] صَدٍ وصادٍ وصَدْيانُ أصابه
الصَّدى أي شدة العطش.
[46] يروى: وما
بالقيظ - ولا في القيظ.
[47] من عادة
العرب الحُضور وهو الانتقال في فصل الصيف إلى حيث مزارع النخيل يتخذون قربها مساكن
مؤقتة وقد تكون في بلدة أخرى تماماً، يحضرون هناك حتى انتهاء حصاد التمر وكنزه ثم
يعودون بعد موسم القيظ إلى قراهم بمؤونة عامهم من التمر.
[48] وادي العرِق
ووادي السِّلان مواضع كانت معروفة في زمانه بنجد.
[49] صَرَم الحبل
صَرما وصُرماً قطعه.
[50] متحيّر لا
يعرف طريق الخروج فأقام.
[51] العائدة
المرأة ذات العطف التي تعود المريض. وإن وجدت رواية (عائذة) بالذال المعجمة فتعني
التي كانت تستعيذ منه أصبحت تعطف عليه.
[52] دَير الُّلج
بالحيرة بناه النعمان بن المنذر أبو قابوس في أيام مملكته ولم يكن في ديارات
الحيرة أحسن بناء منه ولا أنزه موضعا وفيه قيل: سقى الله دير اللج غيثا فإنه * على
بعده مني إلي حبيب/ قريب إلى قلبي بعيد محله * وكم من بعيد الدار وهو قريب/ يهيّج
ذكراه غزال يحله * أغن سحور المقلتين ربيب/ إذا رجّع الإنجيل واهتز مائدا * تذكر
محزون وحن غريب/ وهاج لقلبي عند ترجيع صوته * بلابل أسقام به ووجيب. وفيه يقول
إسماعيل بن عمار الأسدي: ما أنس سعدة والزرقاء يومهما * باللج شرقية فوق الدكاكين.
معجم البلدان
[53] الحَوَرُ أَن
يَشْتَدَّ بياضُ العين وسَوادُ سَوادِها وتستدير حدقتها وترق جفونها ويبيضَّ ما
حواليها؛ وقيل: الحَوَرُ شِدَّةُ سواد المُقْلَةِ في شدّة بياضها في شدّة بياض
الجسد، ولا تكون الأَدْماءُ حَوْراءَ؛ قال الأَزهري: لا تسمى حوراء حتى تكون مع
حَوَرِ عينيها بيضاءَ لَوْنِ الجَسَدِ. ويروى البيت (في طرفها مَرَضٌ) ولعله أبلغ.
[54] ويروى: لا.
[55] ويروى:
الحُلْم.
[56] ويروى: لا
صِراع به: أي لا يقدر على مصارعتها.
[57] رُكْنُ
الإنسانِ: قوّته وشدّته. وأَركانُ كل شيء: جَوانبه التي يستند إليها ويقوم بها.
وفلان رُكْنٌ من أَركان قومه أَي شريف من أَشرافهم، وهو يأْوي إلى رُكْن شديد أَي
عز ومَنَعة.
[58] يروى:
غابِطِنا.
[59] أي رُبّ
إنسان يحسدني أو يغبطني بمحبتي لك، ويظن أنك تجازيني بها، ولو كان مكاني للاقى ما
لا قيته من المباعدة والحرمان.
[60] دِنّك أي
طوّعنك وذلَّلنك وحملن عليك ما تكره وأنت دائن لهن مستجيب، حتى أصبح لك ذلك عادة
وديدنا. وعليه رواية بيت الضلّيل: كدِينِكَ مِن أمِّ الحُويرثِ قَبْلَهَا * وجارتِها
أُمِّ الرَّباب بمَأْسَلِ. والشائع: كدأبك.
[61] الخَوْدُ:
الفتاة الحسنة الخَلْق الشابة ما لم تصر نَصَفاً؛ وقيل: الجارية الناعمة، والجمع
خَوْدات وخُود.
[62] الطَرْق
الإتيان مساء ويعني خيالها في النوم.
[63] عِطْفا الرجل
والدابة: جانباه عن يمين وشمال وشِقَّاه من لَدُنْ رأْسه إلى وَرِكه، والجمع
أَعْطاف وعِطاف وعُطُوف. وعِطْفا كل شيء: جانباه.
[64] مبدان بدينة
ممتلئة الجسم صفة حسن لا ترهّل.
[65] هذا تصوير جميل لهدوء بالها وأنّ رضابها عذب بارد فالمثلج لا ينتن.
[66] كاشفة شعرها
ذي الذوائب المتثنية، وهي تفوح عطراً.
[67] الاستياف
الشَّم. البانةُ شجرة الشوع لها ثمرة تُرَبَّبُ بأَفاوِيه الطيِّب، ثم يُعْتَصر
دُهْنها طِيباً، وجمعها البان.
[68] ويروى: بِتنا
ترانا كأنا مالكون لها، ويروى: بتنا نرانا كأنا مالكون لها.
[69] ليتها جعلت
الحلم حقيقة. صَدَّقتْ (مُتَفْعِلْ) قطع وخبن.
[70] قنى -وتكتب قنا- جبل، ويذكر معه عوارض: جبلان من بلاد بني فزارة.
وللمجنون: ألا ليت شعري عن عُوارِضَتَي قَناً * لطول التنائي هل تغيرَتا بعدي/ وهل
جارتانا بالثقيل إلى الحمى * على عهدنا أم لم تدوما على العهد/ وعن علويات الرياح
إذا جرت * بريح الخزَامى هل تدب إلى نجد/ وعن أقحُوَان الرمل ما هو فاعل * إذا هو
أسرى ليلة بثرًى جَعْدِ/ وهل ينفضن الدهرُ أفنانَ لمّتي * على لاحق المتنين مُندلق
الوَخْد/ وهل أسمعن الدهرَ أصواتَ هَجمة * تحدر من نشز خصيبٍ إلى وَهْدِ. ويوجد من
يضع (مِنى) مكان (قنى).
[71] إنسان العين
ناظرُها. ويروى: (هل يا تُرى)
[72] أحداج واحدها
حِدْج مراكب النساء على الإبل.
[73] أي ذاهبة.
[74] مَلهَم
وقَرّان قريتان باليمامة.
[75] لو قيست
المسافة بين مكان إصباحنا ومكان إمسائنا لرأيت مسافة عظيمة تجلب المشقة لرواحلنا.
[76] خَدَى البعيرُ والفرس يَخْدِي خَدْياً وخَدَياناً، فهو خادٍ: أَسرع
وزجَّ بِقَوائِمِه مثلَ وَخَدَ يَخِدُ وخَوَّدَ يُخَوِّدُ كلُّه بمعنى واحد وهو
سير فوق العَنَق؛ قال الراعي: حَتَّى غَدَتْ في بَياضِ الصُّبْحِ طَيِّبَةً رِيحَ
المَبَاءَةِ تَخْدِي، والثَّرَى عَمِدُ.
[77] المَناسم هنا
مطلق أخفاف الإبل، ولكن أصل المَنْسِم، بكسر السين: طرَف خفّ البعير والنعامة
والفيل والحافر، وقيل: مَنْسِما البعير ظُفْراه اللذان في يديه، وقيل: هو للناقة
كالظفر للإنسان؛ قال الكسائي: هو مشتق من الفعل، يقال: نَسَمَ به يَنْسِمُ
نَسْماً.
[78] الحِزْباء والحزباءة: أرض حَزْنةٌ غليظة، وتُجمَع على حَزابيّ
[79] الحَزِيز؛
هو الغليظ من الأَرض، ويجمع على حُزَّان؛وهو ما
أدمى أخفاف إبله. ومنه قول كعب بن زهير: تَرْمِي الغُيُوبَ بِعَيْنَيْ مُفْرَدٍ لَهَقٍ
* إِذا تَوَقَّدَت الحُزَّان والمِيلُ. وفي
المحكم: والجمع أَحِزَّةٌ وحُزَّان وحِزَّانٌ؛ عن
سيبويه؛ قال لبيد: بأَحِزَّة الثَّلَبُوتِ يَرْبَأُ فَوْقَها، قَفْرَ المَرَاقِبِ،
خَوْفُها آرَامُها وقال ابن الرِّقَاعِ يصف ناقة: نِعْم قُرْقُور المرُورَاتِ،
إِذا غَرِقَ الحُزَّانُ في آلِ
السَّرابِ وقال زهير: تَهْوي مَدافِعُها في الحَزْنِ ناشِزَة الأَكتاف، نَكَّبَها الحِزَّانُ والأَكَمُ
وقد قالوا: حُزُزٌ، فاحتملوا التضعيف؛ قال كثير عزة: وكم قد جاوَزَت نِقْضي
إِليكمْ من الحُزُزِ الأَماعِرِ والبِرَاقِ قال: وليس في القِفاف ولا في الجبال حِزَّانٌ إِنما
هي جَلَد الأَرض، ولا يكون الحَزيز إِلاَّ في أَرض كثيرة الحَصْباء.
[80] لا يبعد أن
يكون الأصل (قَدَحَتْ) فهذا أفخم للمعنى، ثم تحولت مع النسّاخ إلى (قطعت) وإن كانت
للحوافر أولى من المناسم، لكنها تعطي مبالغة أسمى، كما قال الشنفرى: إذا الأمعزُ
الصَّوَّان لاقى مناسمي * تطاير منه قادحٌ ومُفَلَّلُ. وهل الشعر إلا المبالغة!
[81] سلوطح بفتح أوله وثانيه وطائه وأصله سلاطح والسلاطح العريض، موضع بهضبة الجزيرة وهي
المنطقة ما بين نهري دجلة والفرات، ذكره جرير في
موضع آخر مُفَسَّراً عن السُّكَّريّ؛ قال: جَرَّ الخليفةُ بالجُنُودِ وأَنْتُمُ بين السَّلَوْطَحِ والفُراتِ.
[82] قال السكري
الرَّوحان أقصى بلاد بني سعد، وقال الحفصي الروحان أرض وواد باليمامة. وحالياً
هناك الروحان في المحويت باليمن، ويسمى جبل السراة في عسير أيضاً جبل آل روحان.
[83] الصَّوَّانُ،
بالتشديد: حجارة يُقْدَحُ بها، واحدتها صَوَّانة. ولعله لا يصح هنا أن تكون جمع
صُوَّة أي علامة فتلك جمعها صوى وجمع الجمع أصواء. البيت تعبير عن التعلّق رغم بعد
المسافة واخضرار الأرض.
[84] هناك أكثر من
جبل يعرف بجبل الريان والأظهر انه الذي بنجد لبني عامر بن صعصعة رمزية هوى العشاق.
[85] ويروى: جبلِ.
[86] ويروى:
جَنوباً. الشَّمال: الرِّيح التي تَهُبُّ من ناحية القُطْب (الشمالي)، وفيها خمس
لغات: شَمْلٌ، بالتسكين، وشَمَلٌ، بالتحريك، وشَمالٌ وشَمْأَلٌ، مهموز، وشَأْمَلٌ
مقلوب، قال: وربما جاء بتشديد اللام؛ قال الزَّفَيانُ: تَلُفُّه نَكْباءُ أَو
شَمْأَلُّ. والجمع شَمَالاتٌ وشَمائل أَيضاً، على غير قياس، كأَنهم جمعوا شِمَالة
مثل حِمَالة وحَمائل؛ قال أَبو خِراش: تَكَادُ يَدَاهُ تُسْلِمان رِدَاءه من
الجُودِ، لَمَّا اسْتَقْبَلَتْه الشَّمَائلُ.
[87] الصفاة
الصخرة.
[88] ويروى: إلى.
[89] حَوْرانُ: ماءٌ بنجدٍ، وهي
كذلك المنطقة الجنوبية من سوريا والشمالية من الأردن
التي تمتد جغرافياً حتى تخوم جبال عجلون في الأردن، وهي عبارة عن سهل لذلك تسمى سهل
حوران. يقول إن هبّت ريح الشمال فلا شغل لي أتذكره سوى ذكركم عندما كنا بهذا
الموضع.
[90] أصل
الاستفهام: هل يرجعنّ العيشُ وليس الدهر مرتَجعا.
[91] ويروى: أيام.
[92] ويروى:
وهُنَّ.
[93] من بعد هذا
البيت الثامن والخمسين (58) يبدأ الهجاء ولم يترك له سوى خمسة عشر (15) بيتاً،
والعادة أن يكون الغزل مجرد مدخل في الشعر، حتى ظهر عمر بن أبي ربيعة فكان أسلوبه
تخصيص القصائد الكاملة له ففتح الباب إما للتخصيص أو أن يجعل له نصيب الأسد. لاحظ
الفرق بين هذه القصيدة وقصيدته: أقلي اللوم عاذل والعتابا * وقولي إن أصبت لقد
أصابا، التي فيها: (فغض الطرف إنك من نمير) فهذه القصيدة الطويلة المكونة من 114
بيتا كلها في الهجاء والفخر وليس فيها سوى 11 بيتا مدخلاً غزليا. وقصيدة: (تعللنا
أمامة بالعدات * وما تشفي القلوب الصاديات) التي يهجو بها الزبرقان وقومه مكونة من
36 بيتا لم يوظف فيها سوى 4 أبيات فقط للغزل. وقد يَقسم القصيدة قسمين متساويين أو
قريبا من ذلك مثل قصيدة (أجدَّ رواح القوم أم لا تَرَوَّحُ) فهي من 65 بيتاً خصص
منها 31 للغزل. وقد تكون القصيدة هجاء محضاً كما في قصيدته التي يهجو بها الفرزدق
وجمع معه البعيث والأخطل، وأبياتها 37 بيتا: (زار الفرزدق أهل الحجاز * فلم يحظ
فيها ولم يُحمَد).
[94] من الدَرْء كما
في (ويَدْرَأُ عنها العذابَ..)، أي بماذا يدفع هؤلاء الشعراء ويسترون أنفسهم من
فتك أسد خَفّان المقيم في عرينه (خَفّان مأسدة كانت في طريق الكوفة). أَسَدٌ
مُخْدِرٌ وخادِرٌ: مقيم في عَرِينهِ داخلٌ في الخِدْرِ. وخِدْرُ الأَسدِ:
أَجَمَتُه. وخَدَرَ الأَسدُ خُدُوراً وأَخْدَرَ: لزم خِدْرَه وأَقام، وأَخْدَرَه
عَرِينُه: واراه.
[95] ويروى:
ضلالهمُ.
[96] أرادوا سَوقي
فسُقتُهم، وقد أُفرِد للواحد منهم قصيدة وقد أتناول أكثر من واحد منهم بقصيدة.
[97] تعب عن
اللحاق فهو حسير.
[98] مقروناً
بصاحبه في وثاق واحد مُقَرَّنين في
الأَصفاد ومن عادة جرير أن يهجو اثنين وأكثر في قصيدة
واحدة.
[99] الخصي لا يَهدِر
إذ فقد فحولته. والهَدِيرُ: تَرَدُّدُ صوت البعير في حنجرته، وإِبل هَوادِرُ،
وكذلك هَدَّرَ تَهْدِيراً.
[100] الحبل
المَرِس شديد الالْتِواء والعُلُوقِ، ومنه يقال للمتمكن في الشيء متمرّس فيه.
[101] الوسنان
النعسان ممنوعة من الصرف. يقول أنا مستيقظ لهم.
[102] لا أبتديء
بالعدوان وإنما أحذرهم من العدوان عليّ.
[103] أمي من خندف
بطن مضر الحمراء وأبي من قيس عيلان أصل مضر السوداء. يروى انه لما قال جرير: إذا
أخذَت قيس عليك وخندفٌ * بأقطارها لم تدرِ من أين تسرح. قال الأخطل: لا أين، سَدَّ
والله علي الدنيا (وهذا كلام لا يراد حقيقة معناه ولكن لإظهار مكانة الخصم وانه
ليس بالهيِّن على عادة المحاربين فآخر ما تريده في مفاخرك أن لا يكون لم تهزمه
قيمة أصلاً)، وفيها: فما لك في نجد حصاة تعدها.. الخ، فكان من جواب الأخطل: ولكن
لنا بَر العراق وبحره.. إلى: وإنا لممدودون ما بين منبج * فغافِ عمان فالحمى لي
أفيح. وقد كان لدى الأخطل الكثير مما يفخر به بشأن قومه الأراقم، لكن العبقرية أن
يكون لك القليل فتوظفه أحسن توظيف كما حدث عند جرير، فتراه يتعاطى في نسبه حتى كاد
أن يصل في البعد إلى آدم.
[104] يعني
بالخنزير الأخطل وهو اللقب الذي اختاره له في كثير من هجائه له، لأنه نصراني فأشار
إليه بأسوأ مطعمه، ولقّب الفرزدق بالقَين.
[105] مُجلَبٍ أي عبد جُلِب كبيراً ولم ينشأ في القوم فلا يشاركهم المشاعر
والثقافة، أي أن مدح الأخطل للأمويين متكلف غير صادق ولهذا اكتشفه الخليفة فقال ما
قاله على زعم جرير. وروي (مُحْلِب) أي ناصِر، قال بشرُ بنُ أَبي خازِمٍ:
ويَنْصُرُه قومٌ غِضابٌ عَلَيْكُمُ، * مَتى تَدْعُهُمْ، يوماً، إِلى الرَّوْعِ،
يَرْكَبوا/ أَشارَ بِهِمْ، لَمْعَ الأَصَمِّ، فأَقْبَلُوا * عَرانِينَ لا
يَأْتِيه، للنَّصْرِ، مُحْلِبُ.
[106] أي منهزم في
مهاجاة أعداء الأمويين، لأن الأخطل هو الشاعر الرسمي للدولة الأموية، لأمور منها
براعته ومنها تحالف تغلب الصادق مع الأمويين بخلاف القيسية، ومنها عدم وجود وازع
ديني يمنعه من استحلال قول ما لا يستحله غيره في مهاجمة بني هاشم والمهاجرين
والأنصار وقد طلب يزيد بن معاوية أولاً من الشاعر كعب بن جعيل التغلبي أن يفعل ذلك
فاعتذر قائلاً: أرادِّي أنت إلى الكفر بعد الإيمان؟ فوقع الاختيار بعده على الأخطل
فهجاهم، حتى افتخر الأخطل بذلك فقال: بني أمية قد ناضلت دونكم * أبناءَ قومٍ همُ
آووا وهمْ نَصروا/ أفحمتُ عنكم بني النجار، قد علمتْ * عُليا معدٍّ، وكانوا طالما
هدروا. وبنو النجار أخوال الرسول صلى الله عليه وسلم، وهجا الأنصار بطلب من يزيد
بن معاوية فقال: ذهبت قريشٌ بالمكارم والعلى * واللؤم تحت عمائم الأنصار. وكان
الذي يقف في وجهه عبدالرحمن بن حسان بن ثابت.
[107] جَولان الحرب
الشعرية ومصاولتها من جال يجول ويعني المهاجاة بينهما. وليست البلدة كما يتوهم من
يتوهم ذلك.
[108] ضربة تقطع
فقار الظهر.
[109] الجَدْع
القَطْع. وَبْر هِزّان: يلمز الشاعر جفنة بن جعفر بن عباية بن شكس بن عنزة الهزاني
وكان من شرفاء هزان الذي تعرض لجرير بهجاء فقال جرير فيه قصيدته التي مطلعها: ألا
رُبّ يوم قد أتيح لك الضبّا * بذي الشذ بَينَ الصُلب فالمُتكلم. واستطاع جرير
بهجائه لهزان أن يحدث شرخاً بينهم وبين حلفائهم جشم: بنو جشم لستم لهزان فانتَموا
* لأعلى الروابي من لؤي بن غالب، حتى قالت امرأة جشمية تنصح قومها وتصلح ذات البين
ضمن أبيات: فعودوا إلى هزّان مولى أبيكم * ولا تذهبوا في الترهات السباسبِ. ويعني
بالوبْرحيوان الوبْر، شبهه بشيء كالجرذ، وإن وصف به إنسان حمل معنى التشردّ قال جرير في موضع آخر:فما فارقْتُ كِنْدَةَ عن تَراضٍ * وما وَبَّرْتُ في
شعبي ارْتِعابا. وجرير يستملح توظيف الوبر في هجائه إذ
يقول: إِنَّ الوِبارَ الَّتي في الغارِ مِن سَبَأٍ * لَن تَستطيعَ عَرينَ
المُخدِرِ العادي.
[110] الأخزر الذي
ينظر بمؤخر عينه والجمع خُزْر، وكل خنزير أخزر؛ فكأنه يقول يا خنازير تغلب.
[111] أي لا يستفقن
من الوله تحنانا إلى الديرين، وفي هذا القصف ما يصيب الفرزدق بأضرار جانبية مع أن
الأخطل المقصود أصلا، فقوله في آخر بيت
(هِجرتكم) و (صلبهم) يمس الفرزدق لأن الأخطل وإن صحّت له فإنه ليس بمهاجر فنصارى
تغلب قومه والصلبان له كما هي لهم، وفيه تذكير للفرزدق بوصف جرير له في موضع آخر:
رهط الفرزدق من نصارى تغلبٍ * أو يدّعي كذبا دَعاوة زور/ حُجّوا الصليب وقرّبوا
قربانكم * وخذوا نصيبكمُ من الخنزير. وقوله له أيضا: (أضحى لتغلب والصليب خدينا)
ضمن قوله: إنّ الذي حَرَمَ الخِلافَةَ تَغْلِباً * جعلَ الخِلافةَ والنُّبوَّةَ
فينا/ مُضَرٌ أَبي وأَبو الملوكِ، فهل لكم * يا خُزْرَ تَغْلِبَ،
من أَبٍ كأَبِينا/ هذا ابنُ عمِّي في دِمَشْقَ خليفةٌ * لو شِئْتُ ساقَكمُ إليّ
قَطينا/ إنّ الفَرَزْدَقَ، إذ تَحَنَّفَ كارِهاً * أَضْحَى لِتَغْلِبَ والصَّلِيبِ
خَدِينا/ ولقد جَزِعْت على النَّصارى بعدما * لَقِيَ الصَّليبُ من العذاب معِينا/
هل تَشْهدون من المَشاعر مَشْعراً * أَو تسْمَعون من الأَذانِ أَذِينا.
[112] شربن حتى
الارتواء.
[113] سَكِرَ
يَسْكَرُ سُكْراً وسُكُراً وسَكْراً وسَكَراً وسَكَرَاناً، فهو سَكِرٌ وسَكْرانُ،
والأُنثى سَكِرَةٌ وسَكْرَى وسَكْرَانَةٌ.
[114] مثنى قَس،
يقول جرير في قصيدة أخرى في هجاء الأخطل: يستنصرونَ بمارَ سرجسَ وابنهِ * بعدَ
الصليبِ وما لهمْ منْ ناصرِ. القَسُّ: رَئيس من رُؤساء النصارى في الدِّين
والعِلْم، وقيل: هو الكَيِّس العالم؛ قال: لو عَرَضَتْ لأَيْبُلِيٍّ قَسِّ * أَشْعَثَ
في هَيْكَلِه مُنْدَسِّ/ حَنَّ إِليها كَحَنِينِ الطَّسِّ. والقِسِّيسُ: كالقَسِّ،
والجمع قَساقِسة على غير قياس وقِسِّيسُون.
[115] هذه صورة
مقذعة من الهجاء تستحق الطمس.
[116] حرف العطف
(أو) هذه بمعنى (إلا) تنصب المضارع بعدها بأن مضمرة، وهي كذلك في (أو) الثانية
بالبيت أي (وإلا أن تجعلوا) نحو (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسّوهن أو
تفرضوا لهن فريضة) أي إلا أن تفرضوا لهن فريضة، على الأظهر.
[117] تشروا أي
تبيعوا (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة).
[118] ويروى:
عبائتكمْ.
[119] العباءة من
الصوف بينما ينسج الخَز من صوف
وإِبْرَيْسَمٍ وهو من زِيِّ المترفين، يقول المجد يحتاج إلى رقي وهذا مفقود معكم.
[120] التنّوم والضمران بضم الضاد وفتحها والينبوت - كما هو في رواية للبيت – من نباتات البر لكن الضمران ريحان زكي الرائحة وكأنه لا ينبت في بلاد الأخطل إذ يقول له في موضع آخر: سوقوا النِقاد فلن يحل لتغلبٍ * سهلُ البلاد ومنبتُ الضمران، بينما يفخر جرير بأن الضمران طعام إبله فيقول: لَنا إِبِلٌ لَم تَستَجِر غَيرَ قَومِها * وَغَيرَ القَنا صُمّاً تُهَزُّ عَوامِلُه/ رَعَت مَنبِتَ الضَمرانِ مِن سَبَلِ المِعي * إِلى صُلبِ أَعيارٍ تُرِنُّ مَساحِلُه. بينما التنوم دليل الضّعة فجعله لخصمه. يقول أبو دهبل الجمحي: عِندَ غَيري فَاِلتَمِس رَجُلاً * يَأكُلُ التَنّومَ وَالسَلَعا/ ذاكَ شَيءٌ لَستُ آكِلُهُ * وَأَراهُ مَأكَلاً فَظِعا. ويقول أبو نواس مشيرا إلى البداوة: يا راكِباً أَقبَلَ مِن ثَهمَدٍ * كَيفَ تَرَكتَ الإِبلَ وَالشاءَ/ وَكَيفَ خَلَّفتَ لَدى قَعنَبٍ * حَيثُ تَرى التَنَّوُمَ وَالآءَ/ جاءَ مِنَ البَدوِ أَبو خالِدٍ * وَلَم يَزَل بِالمِصرِ تَنّاءَ. أما حال الينبوت فأسوأ فهو كمثل شجرة الغويفة الضارة. ومقصد البيت يقول له تحتاج أن تتحضر أولاً لتنال المجد وذاك مستحيل في حقك، وهذا من باب (رمتني بدائها وانسلّت)، وإلا فإنّ بني يربوع أعرق في البداوة من تغلب، وتغلب أسرع للحضارة، لكنه الشعر والتفنن فيه، ولا أحسبهم يقولون ذلك إلا وهم يضحكون، ولا أدل على ذلك من رثاء جرير الفرزدق بأكثر من قصيدة: لعمري لقد أشجى تميما وهدّها * على نكبات الدهر موت الفرزدقِ، وقوله فيه: فلا ولدت بعد الفرزدق حاملٌ * ولا ذات حمل من نفاس تعلّتِ. هذه النقائض أقرب إلى المباريات الرياضية في هذا العصر، مرادها إمتاع الجمهور والترزق في المقام الأول. وإشكالية الرمزية الشعرية معرفة تفاصيلها فإن اندثرت ضاع الرمز، ومن ذلك قول جرير: أما الفؤاد فلا يزال معلقا * بهوى جمانة أو بريَّا العاقر، فتظنهما امرأتين بينما هما كثيبي رمل حول بيته.
[121] هذا مثال
لعطف مرفوع على منصوب، وروي (هل تتركون).
[122] بالخاء
المعجمة يتهكم بهم وأنهم لا يحسنون حتى نطق اسم الرحمن وأن هذا قولهم عند صلبانهم
التي يتقربون بها إلى الرحمن، والعامل محذوف دل عليه السياق تقديره تدعون أو نحوه.
وقيل رخمان فصيحة ويروون بيتا لذي الرمة فيه لفظة (مرخوم) والله أعلم بصحة الرواية،
والأظهر انها (مرحوم) بالحاء المهملة لكنها بالسريانية بالخاء المعجمة، وهم
يتعبدون بها فلا غرابة في توظيفها. ويروى رحمان بالحاء المهملة. وفيه إشارة لطيفة
إلى قول الحق (فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ
قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَٰلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا
يَفْتَرُونَ).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق