يا مَن له تَعنو الوجوهُ
و تَخْشَعُ
و لأمرِهِ كلُّ الخلائقِ
تَخضعُ
أعنو إليك بِجبهةٍ لم أَحنِها
إلاّ لوجهِك ساجداً
أتضرّعُ
و إليك أَبسطُ كَفَّ ذُلٍّ
لم تَكنْ
يوماً لِغيرِ سُؤالِ فَضلِك
تُرفعُ
أنا من علمتَ..
المذنبُ العاصي الذي
عَظُمَتْ خطاياه فجاءك
يُهرَعٌ
كم ساعةٍ فرّطتُ فيها
مسرفاً
وأضعتُها في زائلٍ لا يَنفعُ
كم بِتُّ ليلي كُلَّهُ
مُتثاقلاً
وذوو التّقى حولي قِيامٌ
رُكَّعُ
كم بالَ في أذنيَّ
شيطانُ الكَرى
فإذا الصّباحُ على نؤومٍ
يَطلعُ
كم زَيّنتْ لي النَّفسُ
سُوءَ فِعالِها
فأطعتُها ضعفاً، و بئسَ
الطَّيِّعُ
كم وَسوسَ الخنّاسُ في
صدري فَلَمْ
يَجِدِ الذي يَعلو قَفاهُ
ويَصفعُ
كم أقرأُ الآياتِ لو نَزلتْ
على
شُمِّ الجِبال رأيتُها
تَتَصَدَّعُ
مالي أُردّدُ وَعدَها
ووعيدَها
ما رَقَّ قلبي أو جَرى
ليَ مَدمَعُ
كم من نفوسٍ بالهدى ذَكَّرتُها
فمضت كما يمضي الجَوادُ
المُسرِعُ
أَيقظتُها للحقِّ حين
تركتُني
في غفلةِ الدّنيا أتيهُ
وأرتَعُ
يا حسرتا! أَعِظُ
الأنامَ، فليتني
نفسي وَعظتُ، فوعْظُ
نفسيَ أَنفَعُ
يا ربِّ حكمتُك اقتضتني
مذنباً
لأجيءَ بابَك أَستجيرُ
وأَضرَعُ
فترى عُبَيدَك
تائباً مُستغفِراً
و أراك غفّاراً لذنبٍ يَفظُعُ
أنا إنْ عَصيتُ فذاك
مِن نقصي، ومَن
غيرُ الإلهِ لهُ الكمالُ
الأرفَعُ!
يا ربِّ أنت خلقتَني مِن
طينةٍ
ومَنِ الذي لأصولِهِ لا
يَنزِعُ!
لولا هداكَ ونفخةٌ عُلْويّةٌ
أَودعتَها روحي لكان
المَصرعُ
فبها أَصولُ على
التّرابِ تَرَفُّعاً
وبها أُحَلِّقُ حين تَصفو
الأضلُعُ
الطينُ يَجذِبُني
إليهِ بِشِدّةٍ
والرُّوحُ تُصْعِدُني
إليك و تَرفعُ
فإذا ارتقيتُ إلى رضاك
فغايتي
وإذا هبطتُ فدائما أَتطلّعُ
هو الابتلاءُ عليهِ قام
وُجودُنا
وبه نُهيّأ للخلودِ و نُصْنَعُ
النّارُ بالشّهواتِ حُفَّتْ
فِتنةً
فلْيَمرحِ الفجّارُ ولْيتمتّعوا
أمّا الجِنان فإنّها
محفوفةٌ
بمَكارهٍ تُدمي الفؤادَ
وتُوجِعُ
الزّادُ قُلِّلَ
والدّيارُ بعيدةٌ
والظَهْرُ يَضوي والرّفيقُ
مُضَيَّعُ
وهناك قُطّاعُ الطّريقِ
طوائفاً
شتّى، تُضِلُّ عن المُرادِ
وتَقْطَعُ
إبليسُ يُغوي والهوى شَرَكٌ
لهُ
والعَيشُ يُغري، و
الأماني تَخْدَعُ
وهناك قُطّاعٌ عُتاةٌ أَعلنوا
حرباً تُخيفُ السّائرينَ
وتُفزِعُ
جَرؤوا عليك وأنت تَحْلُمُ
عنهمو!
ولكلِّ شيء عند ربّي مَرجِعُ
هذي الطريقُ، و إنّها لَمَخوفةٌ
رَبِّ اهدني وأَعِنْ
عسى لا أُقْطَعُ!
يا ربِّ عبدُك عند بابِك
واقفٌ
يدعوك دعوةَ مَن يَخاف
ويَطمَعُ
فإذا خشيتُ فقد عصيتُك
جاهلاً
وإذا رجوتُ فإنّ عفوَك
أوسعُ
يا ربّ إنْ أكُ في
الحقوقِ مُفَرِّطاً
فلأنت أَبصرُ بالقلوبِ
وأَسمَعُ
بين الجوانحِ خافقٌ
يهوَى التُقى
ويضيقُ كُرهاً بالذنوبِ
ويَجزَعُ
ويُحِبُّ ذِكرَك،
والقلوبُ إذا خَلَتْ
مِن ذِكرِ ربّي فهي بُورٌ
بَلْقَعُ
وَلَكَم ذكرتُك خالياً
فوجدتُني
والقلبُ في وجلٍ وعيني
تَدمعُ
هل لي رجاءٌ إنّني ممّن
دعَوا
يوماً إليك، و قال:
توبوا وارجعوا؟
وحَملتُ مصباحَ الهدايةِ
مُرشِداً
أَهُناك كالقرآنِ نورٌ
يَسطعُ!
ومَشَيتُ في رَكْبِ الهُداةِ
وإنْ أَكنْ
أَبطأتُ في طلبِ الكمالِ
وأسرَعوا!
حسبي أُحبّهمُ و أقفو
خطوَهم
وَلَكمْ أرى حُبَّ
الأكابرِ يَشفعُ
شعر يوسف القرضاوي رحمه الله