كلام في
نص
نقد مقولة إن البعير في القرآن يعني الحمار، وبقية هذا النص من لسان العرب لابن منظور:
(بَعِرَ الجَمَلُ بَعَراً: صار
بعيراً. قال ابن بري: وفي البعير سؤال جرى
في مجلس سيف الدولة ابن حمدان، وكان السائل ابن خالويه والمسؤُول المتنبي، قال ابن
خالويه: والبعير أَيضاً الحمار وهو حرف نادر أَلقيته على المتنبي بين
يدي سيف الدولة، وكانت فيه خُنْزُوانَةٌ وعُنْجُهِيَّة، فاضطرب فقلت: المراد
بالبعير في قوله تعالى: ولمن جاء به حِمْلُ بَعير، الحمارُ فكسرت من عزته، وهو أَن البعير في القرآن الحمار، وذلك أَن يعقوب وأخوة
يوسف، عليهم الصلاة والسلام، كانوا بأرض كنعان وليس
هناك إِبل وإنما كانوا يمتارون على الحمير. قال الله تعالى: ولمن
جاء به حمل بعير، أَي حمل حمار، وكذلك ذكره مقاتل
بن سليمان في تفسيره.
وفي زبور داود: أَن البعير كل ما
يحمل، ويقال لكل ما يحمل بالعبرانية بعير.)
اهـ لسان العرب.
نقاط النقد:
1. هذه المقولة منسوبة إلى مجاهد وهي قصر عليه ولم يقل
بها مقاتل ولم يذكرها في تفسيره، ومع ذلك تكرر من أهل العلم نسبتها إليه، وظني أن
الأصل هو هذا، ولعل سبب الخلط التشابه في المعنى بين اسمي مقاتل ومجاهد.
2. البعير لا يعني الحمار في العربية، وما نسب إلى
مجاهد قول شاذ وما أحراه أن يكون خلطا كتابيا في النقل بين العير والبعير عند آية
﴿واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها﴾، فالعير هو كل ما امتير
عليه من بعير أو حمار أو بغل، كما ذكرت ذلك المعاجم ومنها اللسان، وليس البعير.
3. على فرض أن العبرانية في طور من أطوارها سمت الحمار
بعيرا، فهذا لا يجعل الكلمة تتحول وسط نص عربي إلى معناها العبراني، وإلا اضطربت
المعاني، ولأمكن أن يخرج من يقول ﴿أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً﴾ أي
"خبز أخيه" فلحم לחם
في العبرية تعني الخبز.
4. القول
بأن أرض يعقوب لم يكن فيها جِمال قول يخالف الدليل، فالجِمال مستأنسة في المنطقة
قبل ميلاد يعقوب عليه السلام بحوالى ١٠٠٠ سنة، وفي سفر التكوين ٣٢ ذكر تعامل يعقوب
مع الجِمال أي جمع جمل، ثم ذكر إهدائه لأخيه عيسو مما أهدى "ثلاثين ناقة مرضعة
وأولادها" فكيف لا تكون بأرضه الإبل؟!
5. فعلة ابن خالويه مخزية ولا تستحق الذكر، فما مبعثها
سوى الحسد والمشاكسة، لإيذاء قامة أدبية عظيمة تستحق التكريم لا الأذى، وأنى له
مطاولة المتنبي بالتعالم عليه بالغرائب الشاذة! وأما
ابن بري فمجرد ناقل للخبر، وهو من نحاة القرن السادس. هذا
والله أعلم.
عبدالله
بن حمدان