بسم الله الرحمن الرحيم
1
هَنا بِكَ عَيشٌ حيثُما أنتَ نازلُ
وتَحْلو وإنْ طالتْ إليكَ المَراحلُ
2
أحييكَ مُختاراً صَفياً مُعظَّماً
وحوليَ غنّت بالتحايا البَلابلُ
3
هُنا المتنبي والجميلُ وجَرْوَلٌ
هنا عُروةٌ والشَّنفرى والسَّمَوألُ
4
يُحَيوُّن من أهدى إلينا قصيدةً
حبيبُ بنُ أوسٍ حولَها يتمايلُ
5
وكلُّهمُ أرخى ذؤابةَ شِعرهِ
لذاتِ خِمارٍ، ما جريرٌ وأخطلُ؟!
6
تُذكِّرني بالعِينِ وَجهاً ومَنطِقاً
ومِن عَينها أُشفى وأَصحو وأّثْمَلُ
7
تُناشد شِعراً كيف حالي بدونِها
وقد مَنعتْ عني الذي كنتُ أأمُلُ
8
تُثيرُ بألغازٍ: أغادَر دونَنا؟
وهل تحتوي فضلَ المدينةِ حَلحَلُ؟
9
تُرَجِّي بَقاءً للوِدادِ مع الجَفا
وغرسٌ بلا سُقيا فلا شكَّ ذابلُ
10
وِصالُ أمانينا حقوقٌ أصيلةٌ
فما حَقُها في الهَجرِ إلا البَواطلُ
11
ولكنَّ وَعدي أنْ أفي بِرَجائها
وقد سَألتْ إمَّا تَزِلُّ فأغْفُلُ
12
وها هي أرْخَتْ دون عيني سِتارها
وَزَمَّت بليلٍ ما به القلبُ مُبْتِلُ
13
تَجُول كمِثْلِ الطيرِ حُراً جناحُهُ
وتسعى بلا رأيي وترقى وتَنْزِلُ
14
أعاتبُ نَفسي أنْ تَخَيّرْتُ صَاحباً
يَراني خِياراً، وهو عنديَ أولُ
15
ضريبةُ عِشقِ المرءِ حُزنٌ ولوعةٌ
وليس له عن طَعْمِ ذلك حائلُ
16
ولكن لأنَّ الحبَّ أعمى بلا حِجا
فتلقاهُ حتى بالهوى يتفاءلُ
17
وآلامُ مَسرى الحُبِّ أشهى لعاشقٍ
من اليُسرِ واللذاتِ لوْ كان تَحْصُلُ
18
إذا الجُرحُ أدمى القلبَ بَشّرَ عقلَهُ
فيَنسِجُ آمالَ الرَّشادِ ويَغزِلُ
19
فلا رُشْدَ إلا بالجِراحِ وغُصةٍ
بَواقِيهما أجدى لوعظٍ وأَجْزَلُ
20
فيا ويحَ عَهدي شافعاً دون فِعلها
يقول وَقَاكَ الغدرَ أصلٌ ومنهلُ
21
فناشدتُ عنها النجدَ والسهلَ والغَضى
وردّ صدى صوتي الدَّخولُ وحَوْمَلُ
22
وساءلتُ كلَّ الأرضِ هل فيك ثابتٌ
أفيكِ لمن خافَ القِلى مُتَعَزّلُ؟
23
إذا نكثوا عهدَ الوفاءِ فعهدُنا
لعَمْري متينٌ لا تَنِيهِ القَلاقِلُ
24
نُقيمُ كِراماً لا على الضَّيمِ والأذى
ونحن حِرابٌ للحروب وأَنْصُلُ
25
نُعِدُّ لتثبيتِ السَّلامِ سلاحَنا
وللسِّلْم إلزاماً تُعَدُّ القنابلُ
26
لنا عزماتٌ يا ابنةَ القَرْمِ لا تَنِي
فإمَّا تَوَدَّدنا فلا نَتَسَوَّلُ
27
أدُرُّ استفيقي من دَلالٍ وصَبوةٍ
فليس بِعيشي مِثْلَ هَجْرِك حَنظلُ
28
أَكُفُّ جِماحَ النَّفسِ عَمَّا يَشِينُها
ولو شَقَّ نَحَرَ الشوقِ بالدمعِ جَدولُ
29
عَجَمْتُ قَناتي بالتَّصبرِ والرِّضى
وقد أَنْضَجَتْ قلبي مِن الرُّزْءِ مِرْجَل
30
فها أنا يَمَمْتُ الهُدى في مَسيرتي
لنَحوِ رَسولِ الله نِعمَ التَّحَوُّلُ
31
فآويتُ للحُسنى بِقُرْبِ محمدٍ
فما مِثلُهُ بَرَّاً نبيٌ ومُرْسَلُ
32
ففي كلِّ أَزْمَاتي أراهُ بِجانبي
فيَخْمُدُ بُركاني وتَهدا الزلازلُ
33
بِنفسيَ أَبني مِدْحةً فيك سيدي
فيا ربِّ أَسعفني بما أنا قائلُ
34
أُريدُ مَناراً يَنفع الناسَ نُورُه
أريدُ بأنْ آتي بِما هو أَجملُ
35
ولستُ سوى فَردٍ يُحبُّ محمداً
ولكنَّني أُصفيهِ فيما أُحاولُ
36
فلم أَمتدِح يوماً بشعريَ سَيِّداً
بقصد اغترافٍ من جَدَىً هو زائلُ
37
أماميَ حسانٌ وكعبٌ وبردةٌ
ونهجٌ عليها، والقريضُ هَواملُ
38
هنا صادقُ التبجيل، وابنُ رواحةٍ
هنا البُرَعي في مَدحِ طه يُجَلْجِلُ
39
هنا الملأُ الأعلى، وجبريلُ نازلٌ
بما خُتمتْ فيهِ الهُدى والرَّسائلُ
40
وهل فوقَ ما جاءتْ به الآيُ مِدحةٌ؟
ويا عُظْمَ ما أثنى عليه المُنزّلُ!
41
إمامي رسولَ اللهِ سيدَ شِرعتي:
عليكَ سلامٌ بالمدى يَتسلسلُ
42
عليك سلامُ الله في صلواتنا
عليك صلاةٌ وجهُها يَتهللُ
43
إذا كان يُستسقى بِوجهِك سيدي
فإني بِنَعلِ المصطفى أتوسلُ
44
إليك رسولَ اللهِ خَبّتْ مَطيَّتي”
أواصلُ مَجداً أصَّلَتْهُ سَمائلُ
45
أُرَجِّي اغترافَ النورِ يا مَنبَعَ الهدى
وفضلُك بحرٌ لا يُرى منه ساحلُ
46
وإنَّك كالشمسِ التي دامَ خيرُها
ولو بَقيَتْ في أُفقها تَتَرحَّلُ
47
وكلُّك خيرٌ يا أبا الخيرِ والهدى
وأَدناك أرقى من عظيمٍ يُبجَّلُ
48
وذِكرُكَ بين الخَلْقِ أنتَ فريضةٌ
وغيرُك أقصى ما يَفِيهِ النَّوافلُ
49
فبَعثُك خَتْمٌ للدِّيانة كُلِّها
وشَخصُك أزكى ما به العَينُ تُكحَلُ
50
تَشَرَّفَ هذا الكونُ أنْ كنتَ بَعضَهُ
ومَاستْ إذ التفَّتْ عليك الفَضائلُ
51
حياتُكَ نبِراسٌ، وهديُكَ سُنَّةٌ
ونُطقُكَ قرآنٌ، وحُكْمكَ فَيصلُ
52
فإنْ كان خيرُ الناسِ أَرفقَهمْ بِهمْ
فأنت النبيلُ السيدُ المُتَغافلُ
53
وإنْ كان أقواهُمْ أولو الصبرِ في البَلا
فما حَمَلوا مِعشارَ ما أنتَ حَاملُ
54
وإنْ كان أندى الناسِ أفضلُ جِيرةً
فأنت رياحٌ مرسلاتٌ ووابلُ
55
وإنْ قِيس حَجمُ القُطْبِ في خلفائهِ
ومن يقتفي نَهجاً، فأين المُماثلُ؟
56
فصحبُكَ والماضون خَلفَكَ دائماً
لهم في متون السَّبْقِ أيدٍ وأرجُلُ
57
تَخَيّرك المولى وأَصفاك رُتْبَةً
فما قيلَ من وَصفٍ فوصْفُك أَكْمَلُ
58
أَتَيتَ وأمرُ القومِ فوضى وضِلَّةٌ
وغادرتَنا والصالحاتُ المناهلُ
59
تَركتَ لنا إرثاً سعادتُنا بهِ
وليس لنا من قَبْل إلا التَّقاتُلُ
60
وليت بني الإسلام عَضُّوا بِنَاجذٍ
على السُّنةِ الغَّراءِ لكنْ تَزَيَّلوا
61
هُدى أحمدٍ سِربالُ كُلِّ فَضيلةٍ
فيا حُمقَ من يَعرى ولا يتسربلُ
62
ونحن -نبيَ الله، واللهُ شاهد-
توابعُ للأصحابِ، أسدٌ بواسلُ
63
لدينا جُموعُ الصالحينَ غَفيرةً
وفينا من الطاقاتِ ما هو هائلُ
64
فنسألك اللهم ربَّ محمدٍ
لأمتِهِ وِفْقاً لما هو أَمْثَلُ
65
وأنْ يَبسطوا في الناسِ رحمةَ ربِّهمْ
ودينُك يا رباه بالبِرِّ شاملُ
66
فتعلو موازينُ العدالةِ والهدى
وليس لما يُعلي المهيمنُ خاذلُ
67
وبلِّغ تحايانا صفيَّكَ أحمداً
صلاةً وتسليماً له يَتواصلُ
68
وإنْ تمّ هذا القولُ ما تمَّ حَقُّهُ
وحقُّ رسولِ اللهِ ذِكْرٌ مرتّلُ
69
وَذِكْرُ رسولِ الله رَوحٌ وراحةٌ
وَذِكْرُ رسولِ الله عطرٌ ومَنْدَلُ
70
لهذا إذا قلنا بِطهَ مَدائحاً
فلا نَنتهي حتى نَفيءَ نُبَسْمِلُ
#
عبدالله بن حمدان بن حمود الإسماعيلي
ملاحظة حول سناد التأسيس: سناد التأسيس جائز في الشعر وبهذا حكم الخليل بن أحمد، وجاء في شعر الكبار كما هو عند امريء القيس في قوله: إذا قلت هذا صاحب ورضيته * وقرت به العينان بدلت آخرا/ كذلك جدي ما أصاحب صاحباً * من الناس إلا خانني وتغيرا. ينظر كذلك عبدالله الطيب - المرشد ج1 ص 50.