الجمعة، 16 مايو 2025

إذا ذكرتك محزونا

 إذا ذكرتكِ محزوناً تَفتّحَ لي

بابُ السعادةِ في فكري وإحساسي


وإن ذكرتُ بِعادي عنك في فرح

رأيتُ دون ابتهاجي الفَ متراس


لا أُنْسَ للمرءِ خِلواً من أحبتِهِ

وأنت من بين كلِّ الناسِ ايناسي


وقفٌ عليك بلا شِرْكٍ من امرأةٍ

قلبي وعيني وديواني وأطراسي


وليذهبِ الناسُ في الأقوالِ ما ذهبوا

لم يسلمِ الأنبيا من ألسن الناس


الناسُ دَيدَنُهمُ نقدٌ وتخطئةٌ 

حتى على ربِّهم من غيرِ مقياسِ


إذا ارتضى الناس هرّاً صار قسورةً

ومن يجافي يرى الكربونَ في الماسِ 


لهم غِنايَ وآدابي ومنفعتي

ولي همومي وآلامي وإفلاسي


ع ح

٣/مايو/٢٠٢٤

الجمعة، 4 أبريل 2025

الهدى اكتساب

 ﴿وَأَمَّا الغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤمِنَينِ فَخَشينا أَن يُرهِقَهُما طُغيانًا وَكُفرًا﴾ [الكهف: 80]


لماذا كان الحل القتل لا الهداية؟


الجواب: لأن الهداية والضلال أمور كسبية، وهداية الله ينالها من يسعى إليها (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء [ممن توجه إليه باحثا عن الحق بدليل تمام الآية:] والله أعلم بالمهتدين)، وإلا فمن يصر على الكفر لا يهديه الله (إن الله لا يهدي القوم الظالمين/الكافرين/الفاسقين/من هو مسرف كذاب).


وهذا الفتى متجه إلى الطغيان، ولا يخفى ذلك على عالم الغيب والشهادة، العليم الحكيم، وهو أشبه بالذي (قال لوالديه أف لكما … الآية) ، وكما قيل لنبي الله نوح عليه السلام (لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) وقوله (ولن يلدوا إلا فاجرا كفارا) فالتخلص منه هو إنقاذ لنفس مؤمنة، كما هي حال الحدود.


فلا بد للإنسان أن يطلب الهدى أولا ليفتح الله له بابه (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى).


من سنن الله الثابتة (لا إكراه في الدين) فكما أن الله يأمرنا أن لا نُكره أحدا على الدخول في دينه، فمن باب أولى أنه هو سبحانه لا يُكره أحدا على الايمان والهدى.


والسبب الأساس في هذا أن الإنسان وافق طائعاً مختاراً على حمل الأمانة، ومن أول الأمانة أمانة الهدى، ولو تدخل الله وانتزع الأمانة وأكره الإنسان على الهدى من غير رغبة منه لوقع تضارب في المسؤوليات والتكليف، ونقض من الله للعهد تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.

الخميس، 3 أبريل 2025

حقيقة المعلقات

حقيقة المعلقات


المعلقات قصائد جاهلية طويلة مشهورة لجودتها علقت بالأذهان، وهي ولا سيما معلقة امريء القيس أساسات في شعر اللاحقين حيث نظموا على منوالها واستخدموا أساليبها وصورها والفاظها حتى بلغ الاقتباس استعارة بيت أو أغلبه كما في معلقة طرفة. لكن يظهر أن تسميتها بالمعلقات أمر حدث في عصور إسلامية متأخرة.


متى عرفت بهذا الاسم؟ 


لا يوجد ذكر مدون لتسمية قصيدة (معلقة) في العصور الأولى، وعلى الأقل  إلى سنة ١٧٠ هجري تاريخ وفاة صاحب الجمهرة، واستمرت كتب الأدب إلى القرن الثالث الهجري لا تسميها إلا  القصائد السبع الطوال، والسموط، والسبعيّات.


من الذي قال بتعليق القصائد على الكعبة؟


هناك كلمة تنسب إلى ابن الكلبي ت 204 زعم فيها انّ أوّل ما علّق هو شعر امرئ القيس على ركن من أركان الكعبة أيّام الموسم حتّى نظر إليه ثمّ اُحدر، فعلّقت الشعراء ذلك بعده. اهـ.


هل أخذ أهل الاختصاص بقول ابن الكلبي؟


لم يشتهر ابن الكلبي بالأمانة العلمية وحسن التحقيق، لهذا لم يأخذ بقوله أئمة الأدب كالجاحظ ت255هـ وابن قتيبة ت276هـ والمبرد ت285هـ وأبو الفرج الأصفهاني ت356هـ، ولا غرو إذ لم يتعرض من قبل لهذه التسمية أيٌ من أئمة الأدب واللغة ورواية الشعر قبلهم فلم يذكر ذلك أبو عمرو بن العلاء ت154هـ ولا حماد الراوية ت ١٥٦هـ ولا المفضل الضبي ت ١٦٨هـ ولا الخليل بن أحمد الفراهيدي ت170هـ ولا أبو القاسم القرشي ت170هـ ولا سيبويه ت180هـ ولا خلف الأحمر ت180هـ ولا معمر بن المثنى ت209هـ ولا الأصمعي ت216هـ ولا ابن الأعرابي ت231هـ ولا أبو تمام ت231هـ ولا ابن سلّام الجمحي ت 231هـولم يشر إلى هذه التسمية أي شاعر إسلامي أو أموي أو عباسي لا تصريحاً ولا تلميحا على غزارة إنتاجهم الشعري!


إذن ماذا كانت تسمى؟ 


هي مختارات رواة الشعر، اشتهرت بالقصائد الطوال، وقد يطلق على القصائد المستجادة السموط (السِّمط بالكسر القلادة)، وهذه في الأصل عبارات إعجاب لا تصنيفات أدبية معتبرة.


من أول من جمعها؟


يرجح أبو جعفر النحاس ت٣٣٨هـ أن حماد الراوية ت ١٥٦هـ هو أول من اختار سبع قصائد جاهلية عرفت لاحقاً بالمعلقات، يقول النحّاس: (إنّ حمّاداً لمّا رأى زهد الناس في الشعر جمع هذه السبع وحضّهم عليها وقال لهم: هذه هي المشهورات) ويقول ابن سلّام الجمحي ت 231هـ عن حمّاد: (أوّل من جمع أشعار العرب وساق أحاديثها). وروي أن بعض أمراء بني أمية أمر حماداً أن يختار له سبعة أشعار لتأديب أبنائه عليها، فاختار سبع طوال إحداها لعلقمة الفحل، وكان حماد ذا حظوة عند بني أمية، ولا زال دأب الخلفاء توظيف من يؤدب أبناءهم ويعلمهم الفصاحة فمن المدون مثلاً أن أبا جعفر المنصور كلّف المفضل الضبي باختيار بعض الأشعار لتأديب ابنه المهدي فكانت (المفضليات).


هل يوجد اجماع على المعلقات؟


لا يوجد إجماع على المختار من القصائد ولا على أصحابها في العصور الأولى. أما أول من جمعها على الصورة التي نعرفها اليوم وأوصلها إلى عشر فهو الخطيب التبريزي ت502 ولم يعنون كتابه بالمعلقات وإنما أسماه (شرح القصائد العشر) وهذا مع نهاية القرن الخامس الهجري، وسنعود إلى هذا عند حديثنا عن أقدم شروح المعلقات.


ما أهم مظاهر الاختلاف بين الرواة؟


هناك اختلاف في المختارات هكذا:


حماد الراوية ت ١٥٦هـ: أصحاب السبع الطوال عنده هم؛ امرؤ القيس وطرفة وزهير وعمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة ولبيد وعلقمة الفحل.


المفضل الضبي ت ١٦٨هـ:  أصحاب السبع الطوال عنده -كما نقل عنه ذلك صاحب الجمهرة- هم؛ امرؤ القيس وزهير والنابغة والأعشى ولبيد وعمرو بن كلثوم وطرفة، ولكنه لمّا اختار ثمانين قصيدة في المفضليات لم يختر أياً منها، ولم توضع فيما زيد في المفضليات من بعده، ولكن قد يكون سبب إهماله لها كما أهملت في (الأصمعيات) هو شهرتها بما يغني عن ذكرها.


أبو القاسم القرشي (قيل ت ١٧٠هـ وقيل غير ذلك): (جمهرة أشعار العرب) أصحاب السبع الطوال عنده والتي سماها السموط هم؛ امرؤ القيس وزهير والنابغة (ليست المعلقة المعروفة وإنما: عُوجُوا فحَيّوا لِنُعْمٍ دِمْنَةَ الدَّارِ، ... مَاذَا تُحَيَّونَ مِنْ نُؤْيٍ وأَحْجَارِ) والأعشى (ليست المعلقة المعروفة، وإنما: ما بُكَاءُ الكَبِيرِ بِالأَطْلاَلِ، ... وَسُؤَالِي وما تَرُدُّ سُؤالي) ولبيد وعمرو بن كلثوم وطرفة. ملاحظة: كتاب الجمهرة قائم على التسبيع، ففي كل باب سبع قصائد.


إلى هنا ليس ضمن المختارات معلقات عنترة وعبيد بن الأبرص، وأما الحارث بن حلزة فلا قصيدة له إلا عند حماد الراوية، وأثبت قصيدة طويلة لعلقمة الفحل. كذلك القصائد المختارة من شعر النابغة والأعشى عند من أثبتهم ليست "المعلقات" المتعارف عليها لاحقاً.


يتفق حماد والمفضّل والقرشي أن العرب لم تكن تسمي شيئا من الشعر معلقات، وإنما قد يسمون القصائد الطوال المستجادة سموطاً، فعندما يستجيدون قصيدة قد يثنون عليها بقولهم (هذا سمط الدهر) كما روي ذلك عن بعض قريش تعليقاً على قصيدة أنشدها علقمة، ثم قيل له مثل ذلك في قصيدة أخرى أنشدها بعد حول. لذا هي غير محدودة في قصائد مستجادة بعينها، ولهذا كان الاختلاف في المختار في بعض الشعراء وبعض قصائدهم.


حماد الراوية قال عن القصائد التي جمعها (هذه هي القصائد المشهورة…).

وسماها المفضل الضبي (السبع الطوال).


وجعل أبو زيد القرشي كتاب (جمهرة أشعار العرب) مقسماً على أبواب في كل باب سبع قصائد، جعل المجموعة الأولى باسم (السموط) لكن النساخ والشراح والمحققين أضافوا من بعد في عناوين قصائد هذا الباب كلمة (معلقة) عند كل قصيدة، ومما يكشف ذلك أن مختار القرشي من شعر لبيد والأعشى ليس هو ما عرف لاحقاً بالمعلقات.


الأصمعي ت216هـ في اختياراته الشعرية التي تسمى (الأصمعيات) لم يُدخل فيها شيئا من المعلقات، وروايته الموجودة في كتب الأدب لبعض المعلقات من أهم الروايات لتحرزه في تمييز الأصيل مما يشك في انتحاله ولهذا كانت هذه القصائد في روايته أقصر من روايات غيره، ولكنه لم يسمها المعلقات وإنما جاءت ضمن اهتمامه بالشعر الجاهلي عامة.


ما أثر خبر ابن الكلبي في التعليق؟


تبلور خبر ابن الكلبي للتسمية بالمعلقات إلى تعليل مفصل لاحقا عند ابن عبدربه ومن أتى بعده كالبغدادي وابن رشيق وابن خلدون، وزادوا على خبر التعليق أمر الكتابة بالذهب أو بمائه في الحرير أو في القباطي. ولعل تسميتها بالمذهبات، من تسمية عند ابن قتيبة ت276هـ في ترجمة عنترة (وكانت العرب تسميها المذهبة) بينما المذهبات في (جمهرة أشعار العرب) اسم لسبع قصائد أخرى منها قصيدة لحسان بن ثابت وقصيدة لعبدالله بن رواحة رضي الله عنهما.


ما أقدم شروح المعلقات؟


شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات لابن الأنباري ت ٣٢٨ هـ

[ليس ضمن مشروحات ابن الأنباري معلقات النابغة ولا عبيد بن الأبرص ولا الأعشى].


شرح المعلقات السبع، للزوزني المتوفي 486 هـ، أولا اسم الكتاب (شرح القصائد السبع) وتجد ذلك في حديث المؤلف عنها في المقدمة، ولكن غيّرت المطابع العنوان فأدخلت لفظة (المعلقات)، كما انه ليس ضمن مشروحات الزوزني معلقات النابغة والأعشى وعبيد بن الأبرص، ولكن الناشر أضافها إلى هذا الكتاب وبيّن هذا، حتى تحصل من الكتاب أكبر فائدة ويلقى الرواج المأمول.


شرح القصائد العشر، للتبريزي ت  ٥٠٢هـ. أضاف التبريزي دالية النابغة وبائية عبيد بن الأبرص ولامية الأعشى (ودع هريرة) بينما المعلقة المختارة له في الجمهرة لاميته الأخرى (ما بكاء الكبير في الأطلال) وحذف معلقة علقمة الفحل (طَحَا بكَ قَلبٌ في الحِسان طروبُ). وهنا فقط بلغ عدد القصائد إلى عشر.


دور النساخ في إضافة كلمة (معلقات) في كتب الأدب.


ابن قتيبة في الشعر والشعراء يسمي المعلقات (الطوال) ولكن ورد في ترجمة الحارث بن حلزة عند ذكر قصيدته: (وهي من جيد شعر العرب، وإحدى السبع المعلقات). هذه اللفظة (المعلقات) كما يقول مصطفى صادق الرافعي في (تاريخ آداب العرب): (لم ترد هذه اللفظة إلا في هذا الموضع، غير أن البغدادي نقل كلمة في "الخزانة" معزوة إليه وأسقط منها لفظة المعلقات "ص١١٩ ج١" فيكون ذكرها في طبقات ابن قتيبة زيادة من النساخ، لشهرة الكلمة في المتأخرين وارتباطها بهذا النعت).

وهذا عين ما فعله النساخ ودور النشر في كتاب (جمهرة أشعار العرب) ففي باب (السموط) أضيفت كلمة (معلقة) أمام كل قصيدة من السبع ولو لم تكن أصلاً من المعلقات، ولو كان هذا اسمها لما اختار لها المؤلف اسماً غيره. وهو ما وقع في عنوان شرح الزوزني كما أشرنا سلفاً.


الخلاصة


تطمئن النفس إلى صحة القول بأن تعليق القصائد على الكعبة زعم باطل، للأسباب التالية:

1/ عدم ذكر الأوائل لتسمية المعلقات في مروياتهم.

2/لو وجد شيء اسمه المعلقات لتغنى به الشعراء وتمنوه لجياد قصائدهم وألمحوا إليه فيها، وأنت تجد الشاعر كثيرا ما يثني على قصيدته مخاطبا الممدوح بأني نظمت فيك قصيدة هي كيت وكيت من السمو والرفعة، ولو كان للمعلقات ذكر لقال، ولو واحد منهم، إن قصيدتي هذه في مقام المعلقات. هذا لم يحدث أبدا عند شعراء العصر الإسلامي ولا الأموي ولا العباسي!

3/ يعظّم العرب الكعبة تعظيما كبيرا، فما يتعلق بها أو يحفظ فيها مقصور على متعلقات العبادة، وأما الأصنام فهي في نظرهم من متعلقات العبادة، وكذلك ما له صلة بالله كالعهود والمواثيق، فمن المستبعد جداً أن يعلقوا عليها متعلقات الأمور الدنيوية وقضايا ليس لقريش علاقة مباشرة بها، فكيف بشعر مجون مثل ما في قصيدة امريء القيس وقصيدة الأعشى!

4/ ومن علامات تنزيه الكعبة عند العرب الجاهليين عن الشعر، عدم إقامتهم لأسواق الشعر في مكة المكرمة، وإنما كان أقرب ما تعقد فيه سوق عكاظ في الطائف حيث الحل لا الحرم!

5/ زعموا بأن العرب بقيت تسجد للمعلقات ١٥٠ سنة حتى ظهر الإسلام، مع أن أقدم أصحاب المعلقات امرؤ القيس ليس بين موته وبين فتح مكة إلا أقل من ثمانين سنة، ومن أصحاب المعلقات من أدرك ميلاد النبي ﷺ ، بل منهم لبيد الذي أدرك البعثة وأسلم. أشرك العرب مع الله الأصنام لتقربهم إلى الله زلفى، وبئس ما فعلوا، لكنهم لم يكونوا يسجدون لما لا يتزلفون به إلى الله.

6/ كما أن الأوائل لم يتفقوا على السبع الطوال، فيختار أحدهم لشاعر قصيدة، ويختار له آخر قصيدة أخرى كما بيّنا.

7/ ولم يتفق الأوائل على شعراء ما عُرف بالمعلقات كما بيّنا. 

8/ ثم قضية تزايد القصائد المختارة مع الزمن من سبع إلى ثمان ولم تستقر على عشر إلا في القرن الخامس الهجري.


ع ح

الأحد، 23 مارس 2025

القطع في النحو

 قاعدة قطع النعوت (النعت المقطوع)


تغيير الحركة الإعرابية للنعت للفت انتباه السامع، وتضمر رافعا أو ناصبا.


وامرأتُه حمالةَ الحطب (قراءة عاصم) حمالة منصوبة على الاختصاص (أخص حمالةَ).


جاء زيدٌ العالمَ. العالم نعت مقطوع. منصوب بفعل محذوف تقديره أعني.


رأيت زيداً العالمُ. العالم نعت مقطوع. خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو.


ومن شهير ما يقع فيه القطع غير النعت، وقوعه بعد العطف بالواو (ليس البر …والصابرين) (لكن الراسخون…والمقيمين الصلاة).


وحكمته لفت الانتباه، لأغراض المدح والذم والترحم.


اعرب (قفر) في البيت:


وقبر حرب بمكانٍ قفرُ

وليس قرب قبر حرب قبرُ

السبت، 8 مارس 2025

قول في كتاب الباقلاني (إعجاز القرآن)


كتاب إعجاز القرآن للقاضي الباقلاني فيه مباحث نافعة يمكن جمعها في بضع صفحات، لكنه كتاب لم يستطع إظهار سر إعجاز القرآن.


التفصيل:


الكتاب نموذج للكيفية الخاطئة في نقد الشعر، ولعله أفضل نموذج لذلك. لبيان إعجاز القرآن، أتى بقصيدتين قصيدة لأعلى شاعر جاهلي وهو امرؤ القيس وانتخب أعلى قصيدة له؛ معلقته، وخاض فيها بالتسفيه وجعلها لا تساوي شيئا، بنقد جائر بعيد عن الحق، ثم أتى بخطب للرسول صلى الله عليه وسلم، ثم خطب لكبار الصحابة، وبعضها مشكوك في ثبوته، ولم يأت بأحاديث نبوية متواترة، وسكت عن كل ذلك ولكأنه والعياذ بالله يستحث القارئ على نقدها بنفسه، بأنها لا تبلغ مستوى الإعجاز وإلا فلماذا أدرجها؟ هذه سقطة كبيرة، ثم تعرض لهلوسات مسيلمة، ثم أغلق النقد بالتعرض للبحتري حيث يعتبره البعض أعلى شاعر في عصره، فانتخب أعلى قصيدة له كما يراها البحتري بنفسه فيما روي عنه (أهلا بذلكم الخيال المقبل) وفعل معها فعله مع (قفا نبك) فجعلها أضحوكة، بنقد فيه الكثبر من التلبيس على من يجهل أصول النقد. وفي ثنايا النقد تعرض باللمز للجاحظ وانه لا يأتي بشيء من عنده وأن غالب ما في كتبه نقل وتجميع من الناس!


فعل الباقلاني هذا بنية حسنة فبضدها تتبين الأشياء، حيث ظن بأنه بهذا السلب والثلب لكلام العرب من شعر ونثر يستطيع بيان إعجاز القرآن وانه من عند الله.


الغريب انه فيه ثنايا نقده لشعر امريء القيس والبحتري أتى بأشعار لغيرهم يدلل بها على تمام الجودة عند غيرهما ونقصها عند الشاعرين، حتى انه وصف شعر ابن المعتز بأنه (كالسحر) فناقض نفسه من حيث لا يدري.


وبنية حسنة كذلك، نفى وجود السجع في القرآن، لأن السجع مرتبط في فهمه بالكهان، وتكلف في النفي غاية التكلف بكلام طويل لا طائل تحته.


لا يرى القاضي الباقلاني إعجاز القرآن محصوراً في نظمه وإنما كذلك فيما أتى به من علم وأحكام وقصص وغيبيات، ولكنه أوجز في هذا جداً، فذكره خبراً من الأخبار، وجعل همه بيان الإعجاز البياني في القرآن ولكنه لما أتى لمختاراته من آي الكتاب كان في الغالب الأعم يعطي أحكاماً عامة بألفاظ منمقة مسهبة لا يختلف عليها أهل الايمان فهي تصح على كل آية في القرآن، لكنه يفشل في برهنة ما يضعه من أحكام، نحو [قوله: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا) يدل على صدوره من الربوبية، ويبين عن وروده عن الآلهية. وهذه الكلمة بمنفردها وأخواتها كل واحدة منها لو وقعت بين كلام كثير - تميز عن جميعه، وكان واسطة عقده، وفاتحة عقده، وغرة شهره، وعين دهره.] اهـ.


ثم بفطنته يتوقع أن يدرك القارئ لكتابه هذه الحقيقة فيغضب ويتهم من يحاول الاستفسار بضعف الفهم فينصحه بيترك محاولة فهم الإعجاز والاكتفاء بالتقليد، ويكرر هذا عدة مرات في كتابه.


الحقيقة السهلة التي أضاع حكمتها الباقلاني في كتابه هي أن المعجزات تأتي إلى الأمم وفق ما تفوقت فيه هذه الأمم وبرّزت، فتفوق قوم في الطب فأتاهم الله بمن يبريء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى، وتفوق قوم في السحر فأتاهم بالعصا التي تكون حية تسعى، وتفلق هذه العصا الحجر فيخرج منه الماء، وتفلق البحر، وأتى القرآن الكلام المعجز إلى قوم برّزوا في فنون الكلام شعراً ونثرا، فلا معنى لتسفيه شعرهم ونثرهم، ولا يفيد هذا القرآن بشيء، بل يضره، فهذا كمن يقول لمن هزم عدواً بأنك لم تلاق من يعرف الحرب! وإنما الذي يفيده تمجيد هذا التراث وبيان عظمته وأنه بلغ الغاية، وهو كذلك فعلا، فلما سمع القرآن فصحاء العرب علموا يقيناً انه قول لا يستطيعونه فأسلم الموفّق وأما المعاند فمع تعنته لم يحاول الاتيان بمثله رغم التحدي المتكرر.


هل أسهم كتاب أبي بكر الباقلاني ت 403 هـ  إعجاز القرآن في ظهور كتاب عبدالقاهر الجرجاني 471هـ دلائل الإعجاز؟


قد يكون ذلك فقد قال الباقلاني نصاً (الإعجاز واقع في نظم الحروف التي هي دلالات وعبارات عن كلامه. وإلى مثل هذا النظم وقع التحدي) ص 260 فمع انتباهه للنظم لكنه في البحث عنه لم يتجاوز المحسنات اللفظية والمعنوية من وجوه البديع وهو أمر يستطيعه طلاب العلم، فلا شك أن عبدالقاهر أمسك بهذا الخيط الممتد منذ الجاحظ.


الجميل الذي يشكر عليه علماء الأمة وأدباؤها هو أن التأليف لمحاولة بيان إعجاز القرآن لم يتوقف منذ العصور الأولى، حتى فتح الله على الجرجاني بدلائل الإعجاز فظهر أن سر إعجاز القرآن ليس في مجرد ألفاظه وإنما في انتظام هذه الألفاظ وترتيبها فتبين أن علوم البديع والمعاني والبيان ما هي إلا مكونات في النظم القرآني وليست سر إعجازه، كما أن اللحم والشحم والدم مكونات في الإنسان لكنها ليست الفارق بينه وبين سائر الحيوان.

ثم احتجنا لعدة قرون أخرى ليأتي سيد قطب في (التصوير الفني في القرآن) و (في ظلال القرآن) ليبين لنا سراً آخر في إعجاز القرآن مرتبط بالنظم وهو وجود روح قرآنية تسري بنفوس المؤمنين فتبعث فيهم النور والتقوى والصبر والشكر والحياة والبهجة. ومما مهد لسيد قطب إسهامات محمد عبده ورشيد رضا ومصطفى صادق الرافعي قبله. وهكذا فكل اجتهاد علمي ولو كان خطأ يسهم في التراكم المعرفي فإن كان خطأ نفع اللاحق بترك ذلك المسار ومعرفة عدم جدواه، وإن كان صواباً ولو قلّ كان لبنة هامة في البناء المعرفي.

ع ح

الجمعة، 7 فبراير 2025

لهفي إذا ما للفريضة نودي

 لهفي إذا ما للفريضةِ نودي

لهفي على تسبيحتي وسجودي


الناسُ من حولي تُقيم صلاتَها

وأنا برغمي ثَمَّ كالملحودِ


يا جبهةً تهفو لطاعةِ ربِّها،

لا قيمةً دون الهدى لوجودي


قلبي تعلّقَ بالمساجدِ يافعاً

وبها استقام على الإمامةِ عودي


أملي المرجّى أن أقيم شعائري

وأنا بأفضلِ حاليَ المعهود


عَجِّلْ إلهي عودتي لسعادتي

يا الله يا اللهم يا معبودي

ع ح

اقعدوا مع القاعدين/فاقعدوا مع الخالفين

جاء في سورة براءة {اقعدوا مع القاعدين} ثم جاء {فاقعدوا مع الخالفين} هل تتبين لك حكمة من هذا الاختلاف وأي التعبيرين أشد؟ كلا الآيتين يتضمن ال...