الاثنين، 26 سبتمبر 2022

يا من له تعنو الوجوه وتخشع - قصيدة الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله

 

يا مَن له تَعنو الوجوهُ و تَخْشَعُ

و لأمرِهِ كلُّ الخلائقِ تَخضعُ

أعنو إليك بِجبهةٍ لم أَحنِها

إلاّ لوجهِك ساجداً أتضرّعُ

و إليك أَبسطُ كَفَّ ذُلٍّ لم تَكنْ

يوماً لِغيرِ سُؤالِ فَضلِك تُرفعُ

 أنا من علمتَ.. المذنبُ العاصي الذي

عَظُمَتْ خطاياه فجاءك يُهرَعٌ

كم ساعةٍ فرّطتُ فيها مسرفاً

وأضعتُها في زائلٍ لا يَنفعُ

كم بِتُّ ليلي كُلَّهُ مُتثاقلاً

وذوو التّقى حولي قِيامٌ رُكَّعُ

كم بالَ في أذنيَّ شيطانُ الكَرى

فإذا الصّباحُ على نؤومٍ يَطلعُ

كم زَيّنتْ لي النَّفسُ سُوءَ فِعالِها

فأطعتُها ضعفاً، و بئسَ الطَّيِّعُ

كم وَسوسَ الخنّاسُ في صدري فَلَمْ

يَجِدِ الذي يَعلو قَفاهُ ويَصفعُ

كم أقرأُ الآياتِ لو نَزلتْ على

شُمِّ الجِبال رأيتُها تَتَصَدَّعُ

مالي أُردّدُ وَعدَها ووعيدَها

ما رَقَّ قلبي أو جَرى ليَ مَدمَعُ

كم من نفوسٍ بالهدى ذَكَّرتُها

فمضت كما يمضي الجَوادُ المُسرِعُ

أَيقظتُها للحقِّ حين تركتُني

في غفلةِ الدّنيا أتيهُ وأرتَعُ

يا حسرتا! أَعِظُ الأنامَ، فليتني

نفسي وَعظتُ، فوعْظُ نفسيَ أَنفَعُ

يا ربِّ حكمتُك اقتضتني مذنباً

لأجيءَ بابَك أَستجيرُ وأَضرَعُ

 فترى عُبَيدَك تائباً مُستغفِراً

و أراك غفّاراً لذنبٍ يَفظُعُ

أنا إنْ عَصيتُ فذاك مِن نقصي، ومَن

غيرُ الإلهِ لهُ الكمالُ الأرفَعُ!

يا ربِّ أنت خلقتَني مِن طينةٍ

ومَنِ الذي لأصولِهِ لا يَنزِعُ!

لولا هداكَ ونفخةٌ عُلْويّةٌ

أَودعتَها روحي لكان المَصرعُ

فبها أَصولُ على التّرابِ تَرَفُّعاً

وبها أُحَلِّقُ حين تَصفو الأضلُعُ

 الطينُ يَجذِبُني إليهِ بِشِدّةٍ

والرُّوحُ تُصْعِدُني إليك و تَرفعُ

فإذا ارتقيتُ إلى رضاك فغايتي

وإذا هبطتُ فدائما أَتطلّعُ

هو الابتلاءُ عليهِ قام وُجودُنا

وبه نُهيّأ للخلودِ و نُصْنَعُ

النّارُ بالشّهواتِ حُفَّتْ فِتنةً

فلْيَمرحِ الفجّارُ ولْيتمتّعوا

أمّا الجِنان فإنّها محفوفةٌ

بمَكارهٍ تُدمي الفؤادَ وتُوجِعُ

الزّادُ قُلِّلَ والدّيارُ بعيدةٌ

والظَهْرُ يَضوي والرّفيقُ مُضَيَّعُ

وهناك قُطّاعُ الطّريقِ طوائفاً

شتّى، تُضِلُّ عن المُرادِ وتَقْطَعُ

إبليسُ يُغوي والهوى شَرَكٌ لهُ

والعَيشُ يُغري، و الأماني تَخْدَعُ

وهناك قُطّاعٌ عُتاةٌ أَعلنوا

حرباً تُخيفُ السّائرينَ وتُفزِعُ

جَرؤوا عليك وأنت تَحْلُمُ عنهمو!

ولكلِّ شيء عند ربّي مَرجِعُ

هذي الطريقُ، و إنّها لَمَخوفةٌ

رَبِّ اهدني وأَعِنْ عسى لا أُقْطَعُ!

يا ربِّ عبدُك عند بابِك واقفٌ

يدعوك دعوةَ مَن يَخاف ويَطمَعُ

فإذا خشيتُ فقد عصيتُك جاهلاً

وإذا رجوتُ فإنّ عفوَك أوسعُ

يا ربّ إنْ أكُ في الحقوقِ مُفَرِّطاً

فلأنت أَبصرُ بالقلوبِ وأَسمَعُ

بين الجوانحِ خافقٌ يهوَى التُقى

ويضيقُ كُرهاً بالذنوبِ ويَجزَعُ

ويُحِبُّ ذِكرَك، والقلوبُ إذا خَلَتْ

مِن ذِكرِ ربّي فهي بُورٌ بَلْقَعُ

وَلَكَم ذكرتُك خالياً فوجدتُني

والقلبُ في وجلٍ وعيني تَدمعُ

هل لي رجاءٌ إنّني ممّن دعَوا

يوماً إليك، و قال: توبوا وارجعوا؟

وحَملتُ مصباحَ الهدايةِ مُرشِداً

أَهُناك كالقرآنِ نورٌ يَسطعُ!

ومَشَيتُ في رَكْبِ الهُداةِ وإنْ أَكنْ

أَبطأتُ في طلبِ الكمالِ وأسرَعوا!

حسبي أُحبّهمُ و أقفو خطوَهم

وَلَكمْ أرى حُبَّ الأكابرِ يَشفعُ

 ..

شعر يوسف القرضاوي رحمه الله

 

الخميس، 1 سبتمبر 2022

يا رب ها جسمي يشيخ ويمرض - للشيخ يوسف القرضاوي

 

يا رَبِّ ها جِسمي يَشيخُ ويَمْرَضُ

والوَهْنُ وافاني سريعاً يُوفِضُ

 

ولَّتْ سِنُوْ عُمْري كرؤيا نائمٍ

ومَضى شبابي مِثْلَ برقٍ يُومِضُ

 

وَدَنا الرحيلُ ولَم أُهيئْ زادَهُ

وخِيامُ أيامي تَكادُ تُقَوَّضُ

 

كُلُّ النَّفائسِ قد تُعَوَّضُ إنْ تَضِعْ

والعمْرُ إنْ ضَيَّعتَ ليس يُعوّضُ

 

ما بَعْدَ نُضْجِ الزرعِ غيرَ حَصادِهِ

هي سُنَّةٌ للهِ ليستْ تُنقَضُ

 

وإذا أَتى الأجلُ المقدَّرُ وقتُهُ

لم يُغْنِ عنك مُطبِّبٌ ومُمَرِّضُ

 

ما لي وقد فَرَّطْتُ في أَمري سوى

رَبٍّ إلى نفحاتِهِ أَتَعَرَّضُ

 

ما كان مِن عُذرٍ لتقصيري سوى

نَفْسٍ تُقادُ إلى الجِنانِ فتُعْرِضُ

 

كَسْلَى عن الخيراتِ جِدُّ ثقيلةٍ

وهي الجَوادُ إلى البَطالةِ يَركُضُ

 

نامتْ و أهلُ الجِدِّ قُوَّامٌ ولَم

تَنفُضْ غُبارَ النَّومِ فيما يُنْفَضُ

 

يا ربِّ في الأُولى سَتَرْتَ نَقائصي

فأَتِمَّ سِترَك يومَ عندك أُعرَضُ

 

ما لي سواك إذا الخطوبُ تفاقمَتْ

أَمري إليك على الدَّاومِ مُفوَّضُ

 

لو كان لي ربٌّ سواك رَجَوتُهُ

فلِمَن أمدُّ يدي ومَن أَستقرِضُ

 

رباه إنَّ رضاك غايةُ مَطلبي

ما ضَرَّني سَخِطَ البَريةُ أَم رَضُوا

 

واْرفعْ مكاني ربِّ عندك بالتُّقى

مَن تَرفَعِ اللهمَّ مَن ذا يَخفِضُ

 

واْبسُطْ عليَّ عطاءَ ربٍّ باسطٍ

بَرٍّ، فإنْ تَبسُطْ فمَن ذا يَقبِضُ

 

آتيتنيْ القرآنَ فانفعني بهِ

وأَقمْ بهِ لي حُجَّةً لا تُدحَضُ

 

بَيِّضْ به وَجهي بيومٍ قادمٍ

فيه الوجوهُ مُسَوَّدٌ ومُبَيَّضُ

 

يا خيرَ مَن أَعطى، وأكرَمَ مَن عَفا،

وإذا دعاهُ مُذْنِبٌ لا يُعرِضُ

 

ربِّ اْسمُكَ الغفارُ فاعْفُ تَكَرُّماً

يدعوك مكسورُ الجَناحِ مُهَيَّضُ

 

أنتَ الذي أكرمتني منذُ الصِّبا

ورعيتَني، والخيرُ منكَ مُقَيَّضُ

 

وغَرَسْتَني في الدِّينِ منذ حَداثتي

ووهبتَني فضلاً يَطولُ ويَعرُضُ

 

ورزقتَني حُبَّ الأنامِ تَفَضُّلاً

إنَّ المحبّةَ بالعصا لا تُفرَضُ

 

وغمرتَني بالفضلِ مِن قَرْني إلى

قَدَمِيْ، يَراهُ مُحَدِّقٌ أو مُغْمِضُ

 

فأَتِمَّ بالغُفرانِ فضلَكَ والرِّضا

مَن ذاقَ حُلوَكَ لم يُطِقْ ما يَحْمُضُ

 

واحشُرنِيْ في رَكْبِ الحبيبِ المصطفى

ومع الذين لِوَجْهِ دِينِك بَيَّضُوا 

 

وارزقْنِـيَ الإخلاصَ حتّى لا أُرى

إلا وَكُلّي في رضاكَ مُمَحَّضُ

 

وامننْ عليَّ بنفحةٍ عُلْويّةٍ

أُشفَى بها من كُلِّ داءٍ يُمرِضُ

 

لأظلَّ لاسمِكَ ذاكراً ومسَبِّحاً

كي أُرتضى فيمن لديكَ قد ارتُضُوا 

 

وأعيشَ يا ربّي لدِينِك داعياً

ما دام بي نَفَسٌ، وعِرْقٌ يَنبِضُ# 


شعر يوسف القرضاوي

الأحد، 10 يوليو 2022

قول في وجوب نشر اللغة العربية في كل بلد مسلم لتكون هي اللغة الرسمية الشائعة

 

قول في وجوب نشر اللغة العربية في كل بلد مسلم لتكون هي اللغة الرسمية الشائعة

 

كان من أساسيات الفتح الإسلامي في عصر الصحابة جعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية والسائدة في البلاد المفتوحة لأهمية ذلك في فهم المسلمين لكتاب ربهم وسنة نبيهم ﷺ فسرعان ما اتسعت بلاد العرب فأصبح منها العراق والشام ومصر والسودان وكل شمال أفريقيا فعزّ الإسلام وعزت العربية وزهت وازدهرت.

بل وأصبحت العربية اللغة الرسمية بأرض فارس وبلاد ما وراء النهر وإلا لما ظهر علماء العربية وعلوم الشريعة من هناك ومنهم من لم يخرج من بلدته البتة كالإمام عبدالقاهر الجرجاني الذي لم يخرج من جرجان أصلاً وإنما تعلم هناك فقط وأصبح من كبار أئمة البلاغة العربية وأمراء البيان بها ومثله كثير.

ثم وقع وهن في العرب خاصة والمسلمين عامة وظهر الظلم والاستبداد والتفرق المذهبي فانتشرت في المقابل الشعوبية والفخر بالموروث الثقافي وعلا غير العرب من المسلمين على العرب، فانكفأت بعض البلاد على لغاتها الأصلية وتركت لغة القرآن، ومما ساعد على ذلك تسهيل تعلم الإسلام لغير الناطق بالعربية والتساهل المذهبي حتى في العبادة بغير العربية فأجاز بعضهم حتى الإتيان بما ينوب سورة الفاتحة باللغات الأجنبية في الصلاة ومن باب أولى التكبير وباقي ما يأتيه المصلي من غير القرآن، وإلا لكانت اليوم كل بلاد مسلمة عربية.

والذي نعتقده اليوم يقينا انه لا يسع الحاكم المسلم في أي بلاد أن لا يجعل اللغة العربية مادة أساسية في المناهج لتكون لغة القرآن الكريم على كل لسان، فيتكلمها أهل الإسلام بطلاقة، إذ بمعرفة العربية يكون المسلم مسلماً حقيقياً مدركاً لخطاب ربه له وخطاب رسوله ﷺ من غير واسطة.

وعليه فلا معنى لإضافة "إسلامية" على اسم بلادك ما دمت تبخس لغة القرآن حقها. حق لغة القرآن أن تكون على ألسنة المسلمين فمكّنهم منها، وهذا حق للمسلمين كذلك أوجب من حقوق كثيرة إن كان المطلب ترسيخ الرابط بين الناس وخالقهم سبحانه وتعالى، فقد خاطبهم بلسان ومن حقهم الأصيل على حكامهم وولاة أمرهم وعلمائهم أن يفقهوه.  هذا ليس من الخضوع للعرب وإنما من الخضوع لله الواحد القهار، وتلك العراق ومصر والشام وبلاد المغرب أصبحت عربية ولها القيادة والسمو لا التبعية والانكسار.

إن من خذلان الإسلام بقاء دول مثل إيران وتركيا وأندونيسيا وماليزيا وبنجلاديش وباكستان وأفغانستان والصومال والسنغال وغينيا الخ قائمة الدول المسلمة غير الناطقة بالعربية دولاً غير عربية إلى اليوم.

بالتعليم القويم نحتاج إلى ربع قرن فقط وتتحول هذه المساحة الشاسعة إلى عالم عربي مسلم، وستنتشر اللغة العربية فوق الإنجليزية والفرنسية واللغات الاستعمارية، وسيختفي التشرذم اللغوي في بلدان مسلمة عديدة تتحدث حالياً أكثر من لغة.

هذا والله من وراء القصد وعليه التوكل.

ع ح

الأحد، 19 يونيو 2022

عند التعارض، أيهما أولى بالحفظ؛ وحدة الأمة الإسلامية أو التوافق العقدي في المسائل الخلافية بين المسلمين؟

 

عند التعارض، أيهما أولى بالحفظ؛ وحدة الأمة الإسلامية أو التوافق العقدي في المسائل الخلافية بين المسلمين؟

 

الحمد لله رب العالمين، البر الرحيم، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد رسول الله الأمين ﷺ، أما بعد فإن اتفاق المعتقد إن كان في قضية هي من المعلوم من الدين بالضرورة كأركان الإيمان وأركان الإسلام ووحدانية الله وتفرده بالأسماء الحسنى من غير ند ولا شريك، وختم النبي محمد ﷺ للرسالة السماوية، وأن القرآن حق لا يتبدل، وأمثال هذه القضايا الأساسية التي لا خلاف عليها بين الأمة الإسلامية، فهذه بلا شك لها الصدارة، لأن منكر شيء منها كافر، ليس من أمة الإسلام، سواء أكان فرداً أم جماعة.

 

أما ما دون ذلك من القضايا التي هي محل خلاف بين علماء المسلمين، وأدلتها تتفاوت فيها الآراء بين أهل الاجتهاد، فتشعبت على أساسها مذاهب المسلمين، وأصبحت مع الزمن تدرس ضمن مناهج العقيدة، كخلق القرآن، ورؤية الله، وخلود الفاسق في النار، فوحدة الأمة عند التعارض وبروز الشقاق بسببها مقدمة عليها، لأن الحفاظ على وحدة الأمة وترك التحزب فرض واجب، منصوص عليه صراحة في القرآن الكريم والسنة النبوية، بينما الخلاف في هذه القضايا ليس سوى مسائل نظر واجتهاد، وليس أدل على هامشيتها من حقيقة كونها لم تكن قضايا مطروحة أصلاً في عصر النبوة وصدر الإسلام، والإسلام تام قبل وفاة النبي ﷺ ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ (المائدة:3).

 

أما اتحاد كلمة المسلمين والمحبة بينهم ونبذ دواعي التفرق فهذه قضية جوهرية في الإسلام، لا تساهل فيها، وأدلتها مستفيضة، ومن ذلك قول الحق سبحانه وتعالى:  ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (سورة آل عمران: 103).

وقوله سبحانه وتعالى:  ﴿إِنَّ الَّذينَ فَرَّقوا دينَهُم وَكانوا شِيَعًا لَستَ مِنهُم في شَيءٍ إِنَّما أَمرُهُم إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِما كانوا يَفعَلونَ﴾(الأنعام: ١٥٩)

وقوله سبحانه وتعالى:  ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (سورة الأنفال: 46).

وقوله سبحانه وتعالى:  ﴿َوقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً} (الإسراء: 53).

وقوله سبحانه وتعالى:  ﴿مُنيبينَ إِلَيهِ وَاتَّقوهُ وَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكونوا مِنَ المُشرِكينَ. مِنَ الَّذينَ فَرَّقوا دينَهُم وَكانوا شِيَعًا كُلُّ حِزبٍبِما لَدَيهِم فَرِحونَ﴾ (الروم: ٣١-٣٢)

وقوله سبحانه وتعالى:  ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ (سورة الشورى: 13).

وقوله سبحانه وتعالى:  ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الحجرات:١٠).

وقوله سبحانه وتعالى:  ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ (الحشر: 10)

هذا وقد نعى القرآن الكريم على أهل الكتاب تفرقهم من بعد ما جاءهم العلم، والواجب أن يكون سببَ ائتلاف بينهم ومودة فقال ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ (الجاثية:17)، ودعاهم إلى التسليم بقضايا أساسية محددة لا ينبغي الاختلاف عليها مع أهل الإسلام فينبذ بعدها التنازع فقال ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ (آل عمران:64)، ولو سلّموا بهذه الأساسيات السهلة لأتينا وإياهم إلى كلمة سواء أي توافق عادل منصف! فكيف بإخوان لك يسلمون بكل هذا ويسلمون بكل شريعة الإسلام يُصَلّون صلاتنا ويصومون صومنا ويحجون حجنا ويزكون زكاتنا وليس لهم كتاب سماوي إلا القرآن وليس لهم رسول إلا محمد ﷺ خاتماً للأنبياء والمرسلين، ولكنهم يخالفونك فقط في فهم بعض النصوص، ولا يريدون بذلك الكفر وإنما مبتغاهم الإحسان في طاعة الله، ألا ترى لهم الأخوّة الإسلامية الكاملة؟!  

 

وأما السنة النبوية فسيرة النبي ﷺ كلها خير شاهد على بناء هذه الوحدة الإسلامية وحفظها ودفع الاختلاف ومنع الشقاق والتنازع والتقاتل حتى امتن الله على نبيه بتلك الرحمة التي جمع بها قلوب المؤمنين من حوله فقال له: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ  فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران: 159)

وقد اهتم النبي ﷺ كلَّ الاهتمام في بيان الأهمية القصوى لهذه الوحدة الإسلامية وتقديمها ولزوم الجماعة ونبذ مايؤدي إلى التفرق، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يَرضى لكم ثلاثاً، ويَكره لكم ثلاثا، فيَرضى لكم: أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويَكره لكم: قيلَ وقال، وكثرةَ السؤال، وإضاعةَ المال). رواه مسلم

ويقول ﷺ: (مثل المؤمنين في توادِّهم وتعاطفِهم وتراحمِهم، كمثل الجسدِ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمى) رواه مسلم

ويقول ﷺ: (عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة). رواه الترمذي.

ويقول ﷺ: (مَن أتاكُم، وأمركُمُ جميعٌ على رجلٍ واحدٍ، يُريدُ أن يَشُقَّ عصاكم، أو يُفَرِّقَ جماعتكُم، فاقتُلوهُ) رواه مسلم.

ويقول ﷺ: (يدُ اللهِ مع الجماعةِ) رواه الترمذي.

ويقول ﷺ: (اسْتوُوا ولا تختلِفوا فتختلفَ قلوبُكم) رواه مسلم.

ويقول ﷺ عن دعوى التفرق: (دعُوها فإنّها مُنتِنةٌ) متفق عليه.

ويقول ﷺ عن المسلمين: (تتكافأُ دماؤهم، وهم يدٌ على مَن سِواهم) رواه ابن ماجة.

ويقول ﷺ: (عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ) رواه الترمذي.

وكان مما يكرره النبي صلى الله في المجامع العظيمة، قوله: (لا تَحاسَدُوا، ولا تَناجَشُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ علَى بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا. المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ، ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هاهُنا. ويُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ. كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ؛ دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ) رواه البخاري ومسلم. كرر ذلك في حجة الوداع يوم النحر، ويوم عرفة، واليوم الثاني من أيام التشريق. فهذه آخر وصيته لنا ولولا أهميتها البالغة ما كررها، فإن أدى الاختلاف بين المسلمين إلى السباب والتقاتل فينبغي تركه، وتبقى مسائل الاجتهاد لأهلها لا يُجيّش فيها العامة ولا يورط المسلم نفسه فيما له عنه غنى، لأن (سِباب المسلم فسوق، وقتاله كفر) بنص الحديث وهو في البخاري ومسلم، وفيهما أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)، وزاد البخاري: قالوا: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: (لأنه كان حريصًا على قَتل صاحبِه)، وكان من آخر وصيته لنا في خطبة الوداع، كما في البخاري ومسلم أيضا: (لا تَرجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضُكم رقاب بعضٍ)، ويكفي رادعاً قول الحق ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (آل عمران: 105) فكل خلاف بعد تمام الدين بما يؤدي إلى الشقاق بين المسلمين هو من هذا الباب، مهما حاول أنصار التشرذم التبرير، بدليل أن السكوت عنه لا يهدم الدين بل يقويه، ويمكن للمسلم دخول الجنة وهو بقضايا الخلاف المذهبي جاهل تماماً، فعلى المسلم أن لا يستجيب لداعي الفتنة والتفرق بين المسلمين، فإن وقعت فتنة في الدين فعليه الالتزام بوصية النبي ﷺ لحذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وهي في الصحيحين: (تكونُ دعاةٌ على أبوابِ جهنمَ، مَنْ أجابَهم إليها قذفوه فيها، هم قومٌ مِنْ جِلْدَتِنا، يَتَكَلَّمُونَ بألسنتِنا، فالزمَ جماعَةَ المسلمينَ وإمامَهم، فإِنْ لم تَكُنْ جماعَةٌ ولَا إمامٌ فاعتزِلْ تِلْكَ الفِرَقَ كُلَّها، ولَو أنْ تَعَضَّ بأصلِ شجَرَةٍ حتى يُدْرِكَكَ الموتُ وأنتَ كذلِكَ).


هذا والله أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

ع ح

1 .0

اقعدوا مع القاعدين/فاقعدوا مع الخالفين

جاء في سورة براءة {اقعدوا مع القاعدين} ثم جاء {فاقعدوا مع الخالفين} هل تتبين لك حكمة من هذا الاختلاف وأي التعبيرين أشد؟ كلا الآيتين يتضمن ال...