الأحد، 2 نوفمبر 2025

قصة فيها عبرة للشعراء والنقاد

قضية بلاغية  من «دلائل الإعجاز»، تنير الدرب للشعراء والنقاد، يعرض فيها عبد القاهر الجرجاني واحدة من أعمق القضايا اللغوية والبيانية، وهي إشكالية "لم يكد يفعل"، من خلال حكاية طريفة بين الشاعر ذي الرمة والقاضي ابن شبرمة، جعلها الجرجاني منطلقًا لتحليل دقيق لمعاني الألفاظ وخطر الأحكام الارتجالية.


 القصة ومحل الإشكال


أنشد ذو الرمة في الكوفة قصيدة فيها قوله:

 إذا غيّر النأيُ المحبين لم يكدْ

 رسيسُ الهوى من حبِّ ميةَ يبرحُ

فقال ابن شبرمة معترضًا: "أراه قد برح!"
أي إنه فهم من قوله "لم يكد يبرح" أن الهوى قد فارق.

فاضطرب ذو الرمة، وظن أن القاضي أصاب، فبدّل البيت إلى:

 إذا غيّر النأيُ المحبين لم أجدْ

رسيس الهوى من حب مية يبرحُ.

لكن والد الراوي، لما سمع الخبر، حكم بأن كليهما مخطئ:

 أخطأ ابن شبرمة في فهمه.
 وأخطأ ذو الرمة حين غيّر شعره.
  وبيّن أن الصواب كما في قوله تعالى:
 ﴿إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾
 أي: لم يرها، ولم يقارب أن يراها.



 موضع الشبهة في "لم يكد"


جرى في كلام الناس أن يقولوا:
"ما كاد يفعل" و "لم يكد يفعل" في فعلٍ قد وقع فعلاً، لكن بعد عناء أو تردد.

مثل قوله تعالى:  ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾
 أي: فعلوا أخيرًا بعد تردّدٍ ومماطلة.


ومن هنا توهّم ابن شبرمة أن معنى "لم يكد يبرح" هو: برح بعد جهد.
لكن الجرجاني بيّن أن هذا ليس هو الأصل، وإنما هو استعمال عرفي حادث.

 
المعنى اللغوي الحقيقي لـ"لم يكد"

المعنى الصحيح في اللغة:

 أن الفعل لم يقع أصلًا،

 ولا قارب أن يقع،

 ولا ظُن أنه يمكن أن يقع.


فـ"كاد" في أصلها تدل على قرب وقوع الفعل،
فإذا نُفيت بـ"لم" صار معناها نفي المقاربة نفسها.
إذ من المحال أن يكون نفي المقاربة يوجب وقوع الفعل!
وإلا لكان معنى "ما قارب أن يفعل" هو "فعل"، وهذا تناقض.

 
متى تُستعمل "لم يكد" بمعنى "فعل بعد جهد"؟

إذا كان هناك مانع أو حال يُبعد وقوع الفعل، ثم زال المانع ووقع الفعل بعد مشقة،
فحينئذٍ يصح أن يُقال "ما كاد يفعل" أو "لم يكد يفعل" بمعنى "فعل بعد طول تردّد"،
كما في قوله تعالى:  ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾.

أما إذا لم يقع الفعل أصلًا، ولا ظُن وقوعه،
فلا يجوز إلا أن تُلزم ظاهر اللفظ: أي لم يقارب أن يكون.

 
المعنى الدقيق في بيت ذي الرمة

البيت على التحقيق يعني:

 إذا تغيّر الناسُ عن عهود الحب،

 فإني لا يخطر ببالي أني قد أبرح هوى مية،

 ولا أقارب أن أبرح، فضلًا عن أن أبرح فعلًا.


فهو يصف ثبات الحب، لا زواله.
الهوى في قلبه راسخ ثابت، لا يُظن عليه الفتور أصلًا.

 
توضيح معنى الآية:  ﴿إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾

قال المفسرون:  "لم يرها، ولم يكد"
 أي: لم يقارب أن يراها أصلًا.


ولو كان "لم يكد" يوجب وجود الرؤية بعد الجهد،
لكان معنى الكلام: لم يرها ورآها!، وهو محال.
 

لمحة نحوية: "لم يكد" في جواب "إذا"

ذكر الجرجاني أن الفعل الماضي إذا وقع جوابًا لـ"إذا"
يكون معناه مستقبلًا.
ففي قوله:
 
إذا خرجت لم أخرج
 النفي للمستقبل، لا للماضي.


فكذلك قول الشاعر:
 
إذا رام نهضًا بها لم يكد / كذي الساق أخطأها الجابر
 المعنى: إذا أراد النهوض بها، لا يكاد ينهض، أي لا ينهض ولا يقارب أن ينهض.


فهذا دليل آخر على أن "لم يكد" لا تدل على الفعل بعد الجهد، بل على نفيه التامّ.


الأربعاء، 30 يوليو 2025

اقعدوا مع القاعدين/فاقعدوا مع الخالفين

جاء في سورة براءة {اقعدوا مع القاعدين} ثم جاء {فاقعدوا مع الخالفين} هل تتبين لك حكمة من هذا الاختلاف وأي التعبيرين أشد؟


كلا الآيتين يتضمن القعود (اقعدوا)، فالآية الثانية فيها معنى إضافي.


في معنى (الخالفين) يقول الرازي:


‏‎[ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فاقْعُدُوا مَعَ الخالِفِينَ﴾ ذَكَرُوا في تَفْسِيرِ الخالِفِ أقْوالًا: 


‏‎الأوَّلُ: قالَ الأخْفَشُ وأبُو عُبَيْدَةَ: الخالِفُونَ جَمْعٌ، واحِدُهم خالِفٌ، وهو مَن يَخْلُفُ الرَّجُلَ في قَوْمِهِ، ومَعْناهُ مَعَ الخالِفِينَ مِنَ الرِّجالِ الَّذِينَ يَخْلُفُونَ في البَيْتِ، فَلا يَبْرَحُونَ، 


‏‎والثّانِي: أنَّ الخالِفِينَ مُفَسَّرٌ بِالمُخالِفِينَ. قالَ الفَرّاءُ: يُقالُ: عَبْدٌ خالِفٌ وصاحِبٌ خالِفٌ إذا كانَ مُخالِفًا. وقالَ الأخْفَشُ: فُلانٌ خالَفَهُ أهْلُ بَيْتِهِ إذا كانَ مُخالِفًا لَهم. وقالَ اللَّيْثُ: هَذا الرَّجُلُ خالِفَةٌ، أيْ: مُخالِفٌ كَثِيرُ الخِلافِ، وقَوْمٌ خالِفُونَ، فَإذا جَمَعْتَ قُلْتَ: الخالِفُونَ.



والقَوْلُ الثّالِثُ: الخالِفُ هو الفاسِدُ. قالَ الأصْمَعِيُّ: يُقالُ: خَلَفَ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ يَخْلُفُ خُلُوفًا إذا فَسَدَ، وخَلَفَ اللَّبَنُ وخَلُفَ إذا فَسَدَ.


وإذا عَرَفْتَ هَذِهِ الوُجُوهَ الثَّلاثَةَ، فَلا شَكَّ أنَّ اللَّفْظَ يَصْلُحُ حَمْلُهُ عَلى كُلِّ واحِدٍ مِنها؛ لِأنَّ أُولَئِكَ المُنافِقِينَ كانُوا مَوْصُوفِينَ بِجَمِيعِ هَذِهِ الصِّفاتِ.


واعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ تَدُلُّ عَلى أنَّ الرَّجُلَ إذا ظَهَرَ لَهُ مِن بَعْضِ مُتَعَلِّقِيهِ مَكْرٌ وخِداعٌ وكَيْدٌ، ورَآهُ مُشَدَّدًا فِيهِ مُبالَغًا في تَقْرِيرِ مُوجِباتِهِ، فَإنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أنْ يَقْطَعَ العَلَقَةَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ، وأنْ يَحْتَرِزَ مِن مُصاحَبَتِهِ.] اهـ


وهذا التوسع الذي ذكره الإمام الرازي في معنى الخالف يصح عندما يكون الحديث عن المنافقين خاصة وإلا فقد سمّى القرآن ذوي الأعذار من نساء وشيوخ وأطفال {الخوالف}، ولا مشاحة إذ تتسع المعاني وتضيق وتختلف حسب السياق كما هو معلوم، نحو ما جاء في القرآن من معاني الدِّين والفتنة والإحصان والظن والإصر والأسف والجعل والإنزال والحِجر والحميم والسلام والطائر والقسط والمولى والمن والصدقات. وكما قال أبو الدرداء رضي الله عنه (إنك لن تفقهَ كلَّ الفقه حتى ترى للقرآن وجوها).


لماذا اذن في الثانية غلّظ بالجمع بين التخلف والقعود؟


والله أعلم لأن الآية الأولى (آية 46) بداية الحديث عن القاعدين عن القتال فلما فصلهم عن جملة المؤمنين ممن وقع منه تقاعس استفاض -في قرابة ثلاثة أرباع الحزب- في الحديث عن أعمال المنافقين الكفرية ونواياهم الخبيثة وأحوالهم النفسية الفاسدة، من جبن خسيس وكره الخير للمؤمنين وسخط على عطايا الله وأذى للنبي والمؤمنين وكفر بالله ورسوله واستهزاء بالحق واختلاق الأعذار ونكث العهود ولمز المطوعين بالصدقات ثم ذكر فرحهم بهذا التخلف، {فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله… آية 81} فناسب أن يختم برد الأعجاز على الصدور فقال {إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين… آية 83}.

الأحد، 8 يونيو 2025

خطبة عيد الأضحى 1446

 

خطبة عيد الأضحى 1446

 (تنبيه: العيد وافق جمعة ففي الخطبة فقرة بهذا)


الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

الله أكبر عددَ ما ذكره الذاكرون، الله أكبر عدد ما هلَّل الْمُهلِّلون، وكبَّر المكبِّرون، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا، الله أكبر عدد ما أحرم الحُجَّاج والمعتمرون، ولبى الملبون وطاف الطائفون وسعى الساعون ودخل الحجاج مكة ومِنًى وعرفات ومزدلفة. الله أكبر ولله الحمد بلا عدٍّ ولا إحصاءٍ ولا انتهاء.

 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 

 ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا 

 ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا 

 

عباد الله، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى في السر والعلن؛ فإن تقوى الله هي الزاد النافع الذي يتزود به الإنسان للقاء ربه؛ فقد قال الله تعالى: (إنما يتقبل الله من المتقين) وقال سبحانه وتعالى ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ وقال سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ .

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

عباد الله

اعلموا أن لكل شيء بيئةً ملائمة يتكون فيها، فلا يتكون اللؤلؤ إلا في بيئته، ولا تتكون ثمار الأشجار إلا في بيئاتها، فإن لم تتوفر فلا لؤلؤَ يتكون ولا ثمارَ تطيب مهما فعلنا، وهكذا التقوى فالتقوى لا تتكون إلا في قلبٍ صالحٍ نظيف صافٍ، يعمره الإيمان، ولا تلوثه الضغائن والأحقاد، كما لا يلوثه شرك ولا كفر ولا نفاق ولا رياء ولا كبر ولا حسد. قلب نواياه حسنة، لا يبتغي إلا وجه الله، (ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ) وإلا فلا نفعَ في تعب أعضاء البدن بالأعمال من جهاد وصلاة وصيام وحج وعمرة وذكر، ولا من بذل مال، يقول الحق سبحانه وتعالى (قول معروفٌ ومغفرة خيرٌ من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم)، (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى)، وقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسولَ اللهِ، فُلانةُ تَصومُ النَّهارَ وتَقومُ اللَّيلَ، وتُؤذي جيرانَها؟ قال: هيَ في النَّارِ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، فُلانةُ تُصلِّي المَكتوباتِ، وتَصَّدَّقُ بِالأَثوارِ مِنَ الأَقِطِ، وَلا تُؤذي جيرانَها؟ قال: هيَ في الجنَّةِ. والأثوار من الأقط -قطع من اللبن المجفف استقلالاً لما تفعل.

وقيل لرسول الله ﷺ: أي الناس أفضل؟ قالكلُّ مخمومِ القلب، صدوقِ اللسان قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قالهو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل، ولا حسد. فتأمل حال مخموم القلب، كأنه اتخذ مخمَّة يكنس بها قلبه من الملوثات التي تطرأ على الإنسان في تعاطيه مع الحياة وما فيها فلا يبقى فيه درن.

ومن حديثه صلى الله عليه وسلم: (تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدَ مُرْبَادًّا كَالْكُوز مُجَخياً لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ). مثّل هذا القلب الأسود بالكوب المنكوس الذي يعلوه الغبار لا ينتفع به.

 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

عباد الله

اعلموا أن أحق الناس بالإحسان ورفع الإساءة، والدفع معهم بالتي هي أحسن الأهلُ والأرحام، ففي الحديث (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) وقال عليه الصلاة والسلام (الرحم معلقة بالعرش، تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله).

جاءت شريعة الله آمرةً بصلة الرحم، والعفوِ عن المسيء، ومقابلةِ الإساءة بالإحسان، قال الله تعالى : ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ). وفي الحديث أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلُم عنهم ويجهلون عليّ، فقال:  لئن كنت كما قلت فكأنما تُسِفُّهم المَلّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك) والمَل الرماد الحار.

وليس في الشقاق والنزاع بين المؤمنين إلا الفشل وذهاب القوة قال سبحانه (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين).

وأعظم الأرحام حقوقاً بعد الوالدين هو الجار المسلم ذو الرحم فقد جمع ثلاثة حقوق حقَّ الجيرة وحق الرحم وحق الإسلام، وفي الحديث (ما زال جبريلُ يوصيني بالجارِ حتَّى ظننتُ أنه سيورِّثُه) وقال عليه الصلاة والسلام (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه). والبوائق: جمع بائقة، وهي الظلم والشر. وقال عليه الصلاة والسلام  (والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبد حتى يحبَ لجارِه أو لأخيه ما يحب لنفسه) وقال رجلٌ يا رسولَ اللهِ كيف لي أن أعلمَ إذا أحسنتُ أو أسأتُ؟ قال إذا سمعتَ جيرانَك يقولون قد أحسنتَ فقد أحسنتَ، وإذا سمعتَهم يقولون قد أسأتَ فقد أسأتَ).

وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تدخلوا الجنةِ حتى تؤمِنوا، و لا تؤمنوا حتى تحابُّوا، ألا أدلُّكم على ما تحابُّون به؟ قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ، قال: أَفشوا السلامَ بينَكم).

 

 الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 عباد الله،

اعلموا أن إصلاح ذات البين وتأليف القلوب هو من أعظم الأعمال والقربات إلى الله عز وجل، قال الله تعالى : {لا خير في كثيرٍ من نجواهُم إلّا من أمر بصدقةٍ أو معرُوفٍ أو إصلاحٍ بين النّاس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات اللّه فسوف نُؤتيه أجرًا عظيمًا} وقال جل من قائل : {يسألُونك عن الأنفال قُل الأنفالُ للّه والرّسُول فاتّقُوا اللّه وأصلحُوا ذات بينكُم وأطيعُوا اللّه ورسُولهُ إن كُنتُم مُؤمنين}

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضلَ من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ " قالوا: بلى، قال: "إصلاحُ ذات البين، فإن فسادَ ذات البين هي الحالقة).

وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث).

وقال: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).

وقال: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار).

 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 عباد الله،

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يومُ عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدُنا- أهلَ الإسلام- وهي أيام أكلٍ وشُرْبٍ))؛ ويقول صلى الله عليه وسلم: ((إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يومُ النَّحر، ثم يوم القَرِّ)) ويوم القر هو اليوم التالي ليوم النحر من أيام التشريق المباركة، ويبدأ وقت ذبح الأضحية من بعد صلاة عيد الأضحى، وينتهي بغروب الشمس من اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة. أي أن أيام الذبح أربعة: يوم الأضحى وأيام التشريق الثلاثة بعده. والأفضل المبادرة بالذبح بعد صلاة العيد (فصل لربك وانحر). وهي سنة من سنن الإسلام للمقتدر، (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب). هذا ومن شعائر العيد كذلك صلةُ الرحم، والإكثارُ من التكبير والتهليل والتحميد، والتكبيرُ عقب الصلوات إلى آخر أيام التشريق.

 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أيها الناس قد جمع الله لكم في هذا العيد عيدين عيدَ الأسبوع، يومَ الجمعة، وعيدَ الأضحى المبارك، وفي السنة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما اجتمع في يومه عيدان، صلى العيد، ثم رخص في الجمعة، وفي لفظ أنه قال: قدِ اجتمعَ في يومِكم هذا عيدانِ فمن شاءَ أجزأَهُ منَ الجمعةِ وإنَّا مجمِّعونَ، فالأعظمُ أجراً بلا شك أداءُ الجمعة يومَ العيد، ولا سيما من هو بجوار الجامع.

 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

  هذا وصلوا وسلموا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، كما أمركم ربكم (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)...

 

اللَّهُمَّ إِنِّا أنسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَنسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَنسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَنسْأَلُكَ قلوباً سَلِيمَةً، وألسنةً صَادِقَةً، وَنسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَنعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَنسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (3)

 

قصة فيها عبرة للشعراء والنقاد

قضية بلاغية   من «دلائل الإعجاز»، تنير الدرب للشعراء والنقاد، يعرض فيها عبد القاهر الجرجاني واحدة من أعمق القضايا اللغوية والبيانية، وهي إشك...